د. خيرية السقاف
لفتني مقطع متحرك عن استقبال مواطن، تقع مزرعته على طريق الحجيج القادمين من روسيا، فاستوقفهم، واستضافهم، واحتفى بهم بطريقة العرب النشامى، المضيافين، الكرماء..
بسط لهم المائدة العامرة بما لذ وطاب، وأخذ في خدمتهم حتى غادروا متجهين لمكة المقدسة..
مثل هذا الفعل الحاتمي ربما لا يقدر عليه إلا الموسرون، غير أن ليس كل ثري كريمًا، ولا يخطر في بال الجميع أن يفعل هذا؛ لأن الإلهام في مثل هذه المواقف تدعمه القدرة، ولأن المقدرة عند كل إنسان تتفاوت عنها في غيره؛ فقد وفق الله هذا الكريم بأن ألهمه ما يحقق له هذا العمل الذي أعاد للذاكرة مناخات العرب في صحرائهم، وخيامهم، ثم في نُزلهم حيث لكرمهم الراسخ في جذور فضائلهم تشرع للضيوف، وللعابرين، وللقاصدين أبوابهم، وتشب نيرانهم، وتعد ضيافتهم، وتفوح رائحة قهوتهم، ويسمع صدى دقها، وتحلق أبخرتها.. حتى النساء حين غياب الرجال تستقبل الضيف، وتقدم له ضيافتها..
هذه الأرض منبع الكرم، وهي عادة جميلة وعريقة، وفيها ما يؤكد للحجيج الكثير من المفاهيم التي يجهلونها، وينبهرون لثبوتها، منها حقيقة الأمن، والسلم، والكرم، والتعاون، والرعاية، والشراكة الوطنية في خدمة الحجيج؛ إذ لم «يجيَّر» فعل هذا الكريم لذاته فقط بل سيبقى في ذاكرتهم الفردية والجمعية عن «السعودية» الآمنة، كريمة طبائع أهلها، ميسور لهم الاحتفاء بالضيوف، مفتوحة لهم أبواب شعبها، رحبة نفوسهم، حتى إذا ما واصلوا مسارهم حتى يعودوا لديارهم تكون السعودية في قلوبهم فردًا ومكانًا، ونظامًا، ومشاعر، وضيافة، ومن قبل وبعد أخلاقًا راقية، وتعاملاً باذخًا في النبل، والفضائل؛ {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}..
التحية لهذا الرجل الكريم، ومرحبًا بضيوف الرحمن من مفرق الطريق لمنزل المستضيف..