د.ثريا العريض
أكتب يوم الجمعة 2 أغسطس 2019 وأنا سعيدة جدًّا، ومثلي - بلا شك - ملايين المواطنات؛ والسبب صدور قرار مصيري عن رئاسة مجلس الوزراء، يختص بتوضيح المواطنين «غير القاصرين», يعلن بلغة واضحة تحولاً جذريًّا لترسيم موقع عمر الفرد من الجنسين في معادلة المجتمع بعد عقود من معاناة من يعتبرون قصرًا مع سلطة الأعراف, والتفسير المغلوط للتعليمات الشرعية, وتكبيلهم عبرهما في موقع المضاف إليه محرومين من قدرة اتخاذ القرار حتى فيما منحهم الشرع من حقوق. نرحب بالتعديلات في توضيح تساوي الجنسين بقدرة اتخاذ القرار الشخصي ببلوغ سن 21 مثل استخراج جواز وقرار السفر دون الحاجة لتصريح من ولي أمرها أو أمره. وهو ما يذكرني بالأمر السامي الذي وجهه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل عامين بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها حال تقديم الخدمات لها، ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب.
وهذا مهم جدًّا في فهم أن الأمر تصحيحي التوجه, جاء لإيقاف المغالطات السائدة في التعامل مع من ليسوا قصّرًا بمنطلق عرفي بحت، يتستر برداء مظهر شرعي لتمرير تفاصيل متعنتة متحيزة ضد حصولهم على حقوقهم الشرعية.
قبل عامين شدد الأمر السامي على الجهات المعنية بضرورة مراجعة الإجراءات المعمول بها لديها ولدى الأجهزة المرتبطة بها ذات الصلة بالتعامل مع الطلبات والخدمات المقدمة للمرأة، وحصر الاشتراطات التي تتضمن طلب الحصول على موافقة ولي أمر المرأة لإتمام أي إجراء أو الحصول على أي خدمة, مع إيضاح أساسها النظامي, والرفع عنها في مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ صدور الأمر. كما تضمن مطالبة الجهات الحكومية باتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفير وسائل النقل المناسبة لمنسوبات الجهة من النساء، وذلك حسب الإمكانات المتاحة، مع التشديد على وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بإلزام أصحاب العمل بتوفير وسائل النقل للعاملات من النساء، وفقًا لما تقضي به أحكام نظام العمل.
وأشارت التوجيهات الكريمة إلى دعم هيئة حقوق الإنسان لتتولى بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية وضع ما يلزم من برامج للتعريف بالاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة، وذلك من خلال وضع خطة شاملة للتوعية بحقوق المرأة من خلال وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والتدريب، على أن يشمل ذلك توضيح البنود التي تحفظت عليها المملكة في تلك الاتفاقيات، وطبيعة التزامات المملكة بهذه الاتفاقيات.
وطالبت التوجيهات الملكية جميع الجهات الحكومية التي تقدم خدمات للمرأة بنشر تلك التعليمات والإجراءات المعمول بها رسميًّا في مواقعها.
اليوم التعديلات الجديدة أخرجت التعامل مع فئة الشباب عن المرئيات والتفضيلات العرفية, الفردية والفئوية, إلى وضعية قانون رسمي واضح بمرجعية رسمية.
هنا.. أتذكر ما أكدت سابقًا: إذا أردت أن تعرف مستوى مجتمع ما من التقدم أو التخلف الحضاري فلا تسأل عن مواصفات الحياة الاستهلاكية, أي ماذا يستوردون ويستهلكون من منتجات الغير, فذلك سيدلك فقط على مقدار ما يمتلكه المجتمع من السيولة التي تسمح بالشراء للاستهلاك أو التكديس. المؤشر الحقيقي للوعي ستجده في تعامل المجتمع مع الفرد من حيث حماية حقوقه وتحديد مسؤولياته، خاصة نظرة المجتمع إلى الأقليات وإلى المرأة!
مع قرار اليوم التاريخي نحن قيادة ومجتمعًا نثبت لأنفسنا قبل غيرنا أننا مجتمع واعٍ وراق, حين نتعامل مع كل فرد منا رجلاً كان أو امرأة كإنسان ذي حقوق واضحة ومصانة نظاميًّا وعرفيًّا. فالحمد لله.. وشكرًا لجدية صانع القرار في إحياء الوعي بشرعية حقوق المواطنين, والسعي لترسيخ مجتمع متوازن التعامل بين الحرية والمسؤولية عن التصرف الفردي.