د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
النظرة المجردة لأي انخفاض في قيمة الصفقات لن تعطي مصداقية في التحليل على حقيقة الاقتصاد الوطني، وبشكل خاص تأثيره على القطاع نفسه، أنا أركز هنا على تباطؤ قيمة الصفقات المنفذة على قطاع الأراضي التجارية المحرك الأقوى للقطاع العقاري، البعض يعيد هذا الانخفاض إلى تأثره بفرض ضريبة القيمة المضافة الـ5 في المائة على الصفقات التجارية (وهي متعلقة بتحقيق الميزان التجاري وكل الدول تستحصله) ورسوم الأراضي البيضاء (وهي متعلقة بتصحيح مسار القطاع، وإعادة هيكلته، وتسييل أراضي استمرت فترة طويلة مخزن قيمة واستمر استخدامها في المضاربة من أجل الحصول على الأرباح دون تنمية حقيقية)، ويعتقدون أنها السبب الذي أعاد ترتيب هذا القطاع العقاري، لكنهم يتجاهلون الأسباب الحقيقية التي هي أسباب هيكلية من أجل تصحيح مسار القطاع العقاري، وتحقيق الأهداف التي وضعتها الدولة في رؤية المملكة 2030.
الانخفاض في قيمة الصفقات الحاصلة في السوق هي تلف الشقين التجاري والسكني أيضًا دون تفريق، وبشكل خاص القطاع التجاري باعتبار حركته ثابتة إلى حد كبير، لكنهم يتجاهلون التحول الذي تعيشه الدولة من الاعتماد على دخل آحادي إلى تنويع مصادر الدخل، وهي تستهدف تصحيح التشوهات في كافة القطاعات التي كانت تعتمد على معونات الدولة وعلى العمالة الوافدة الرخيصة، وهو ما تسبب في ارتفاع نسب البطالة بين المواطنين من جانب، وتضخم أسعار الأراضي التي وقفت حائلاً أمام تحقيق التنمية في كلا الجانبين السكني والتجاري، خصوصًا أن السعودية مقبلة على بناء شبكة بنية تحتية ضخمة تتناسب مع المرحلة المقبلة من تنشيط القطاعات الاقتصادية الخاملة مثل مشروع نيوم ومشروع الواجهة البحرية على البحر الأحمر ومشروع القدية في الرياض ومشاريع بناء مدن كمدينة الملك سلمان للطاقة وبناء شبكة واسعة من السكك الحديدية وشبكة واسعة من الموانئ والمطارات تماشيًا مع خطط وأهداف رؤية المملكة 2030.
فالتحليل الاقتصادي يجب أن يكون شاملاً بدلاً من النظرة الجزئية والضيقة، لن يتأثر القطاع بسبب هذه الرسوم، بل يجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي هي أسباب هيكلية، ويجب الاعتراف بأن القطاع كان مشوهًا ولم يحقق التنمية، وهدفت الدولة إلى تصحيح مساره، وجعله قطاعًا تنمويًا يسهم في تحقيق أهدافها. فالدولة تتحمل قيمة الفوائد للمقترضين للمسكن الأول، ونجحت الدولة في تطوير حجم الائتمان طويل الأجل وبنهاية مايو 2019 نما 20 في المائة رغم أنه يظل منخفضًا ويمثل حتى الآن 35.5 في المائة من قيمة إجمالي القروض البالغة 1.47 تريليون ريال.
بسبب أن الدولة ترى في نمو القروض طويلة الأجل الأساس في الاقتصاد وهو بمنزلة قدرة المجتمع على تعظيم المنفعة من تلك القروض طويلة الأجل من أجل تحقيق التحول الذي تتجه نحوه الدولة من الدولة الريعية إلى دولة الرفاه.
تتجه الدولة نحو تنمية القطاع العقاري بشقيه التجاري والسكني، ونتيجة المشاريع العملاقة التي تنفذها الدولة ارتفعت القيمة السوقية لقطاع الأسمنت المدرجة في السوق بنسبة 45 في المائة منذ مطلع 2019 وحتى يوليو، وارتفع المتوسط الشهري لإنفاق المستهلكين من 78.18 مليار ريال في النصف الأول من عام 2017 إلى 85.01 مليار ريال في النصف الأول من 2019 ويأتي هذا الارتفاع إلى نمو عمليات نقاط البيع على أساس سنوي بنسبة 18 في المائة بما يعادل 10.9 مليار ريال.
ونما إنفاق المستهلكين على قطاع المطاعم والمقاهي بـ45 في المائة خلال الربع الثاني ليبلغ نحو 6.7 مليار ريال مشكلاً نحو 9.3 في المائة من إجمالي عمليات نقاط البيع خلال الفترة.
لذلك على العقاريين أن يعيدوا النظر في المرحلة التي تعيشها السعودية من إصلاحات اقتصادية شاملة التي لا رجعة فيها، خصوصًا بعدما حققت الدولة هدفها في تسييل كميات كبيرة من الأراضي، ودخول برنامج سكني، مما زاد من العرض، وأسهمت في خفض الأسعار، وليس هدف الدولة خفض الأسعار فقط، بل وقف المضاربات التي تسببت في تضخم الأسعار على الأراضي من أجل تحقيق التنمية، وترك الأسعار لقوى سوق العرض والطلب.