م. بدر بن ناصر الحمدان
من أسوأ أنواع الموظفين الذين قابلتهم في حياتي أولئك الذين يملؤون المكان «ضجيجاً» و»تنظيراً»، ويحتلون مساحة كبيرة من المجال العام داخل أروقة بيئة العمل، ويقدِّمون أنفسهم كقدرات خارقة، وأصحاب تجربة وخبرة، وهم في الواقع عبارة عن مجموعة من «المفلسين» عملياً، ولا يستطيعون أن يتحمّلوا أية مسؤولية، أو أن يقدِّموا عملاً «احترافياً» يُذكر، وهم أقرب من أن ينطبق عليهم المثل «أسمع جعجعة ولا أرى طحنا»، هؤلاء لا يمكن الاعتماد عليهم أبداً داخل أي منظمة تبحث عن «منجز حقيقي».
المشكلة الكبرى أن هذه الفئة من الموظفين قادرة على «صناعة الوهم» وإقناع متخذي القرار بأهميتهم ونجاعة آرائهم، لذلك تجدهم دائماً في مقدمة المشهد، وداخل نطاق التقدير، ويمارسون دوراً رئيساً في دائرة التأثير على مستوى الإدارات التي يعملون بها، وتجدهم أكثر الناس حرصاً على انتزاع حقوقهم والمطالبة بها كاملة سواء أوفوا بمتطلبات استحقاقها أم لا، والأدهى من ذلك أنه يمكنهم إشغال المنظمة بكل إداراتها وأقسامها من أجل الحصول على مكتسباتهم الشخصية دون النظر للمقابل الذي قدموه نظير ذلك.
الغريب في الأمر أن هؤلاء «الضجيجيين» يتّسمون بسلوكيات مشتركة أبرزها كثرة شكواهم، وافتعالهم للمشاكل غير البناءة في العمل، وكثرة أعذارهم التي لا تتوقف، وتقديمهم الكثير من الوعود دون إنجازات، وعدم قدرتهم على تأدية المهام المطلوبة منهم بهدوء وبالشكل الصحيح، كما أنه لا يمكن الاعتماد عليهم في الأوقات الصعبة والطارئة، بالإضافة إلى كونهم متربصين بالآخرين وينتظرون أخطاءهم، ليتخذوها ذريعة لتقصيرهم في العمل، وعادة ما تجدهم أكثر ممانعة للتوجيهات والقرارات التي تصدر من الإدارات العليا.
المؤسف حقاً سيطرة هذا النوع من الموظفين على اجتماعات المنظمة «بثرثرتهم»، فهم يمتلكون القدرة على تسويق أنفسهم كمتحدثين جيدين، ويمتلكون لغة حوار متمكنة، تجبر الآخرين على الإنصات لهم ومنحهم مساحة كافية من عرض الآراء والأفكار، وتبني العديد من المبادرات والبرامج - غير القابلة للتنفيذ- والتي تنتهي مسؤوليتهم تجاهها بمجرد إطلاقها وانتهاء المشهد، ليتواروا لاحقاً خلف الردهات ريثما يحل موعد الظهور مرة أخرى.
الأجهزة المحترفة باتت اليوم أكثر وعياً، وإدراكاً بأن الضجيج لا يُعد إنجازاً، وأن «المُنتَج الحقيقي» بات المعيار الأول لتقييم أدائها، ومؤشراً رئيساًً لتقدم مرتبتها التنافسية، لذلك فبقاء مثل هذه المجموعة داخلها بإمكانها القضاء على الكوادر المتميزة والواعدة فيها، وبمقدورها أن تجهض الكثير من مشاريع التطوير، كما أنها ربما تكون سبباً في انهيار أي منظمة قد لا تتخذ قراراً بتسريحهم فوراً.