عبدالعزيز السماري
كثيرًا ما تنسجم اللغة مع السياق الثقافي والاجتماعي؛ فهي نابعة من ذاكرة الجماعة وتأويلاتها. فعلى سبيل المثال ارتبطت اليد بمعاني الخير والعطاء؛ فهي عند ابن منظور النعمة والإحسان، والجاه والقدرة. ومن أمثال العرب «يد الله مع الجماعة» أي حفظه ووقايته. وتعني الأمر النافذ. ويد بيضاء دلالة على النقاء.. بينما اختُزلت رمزية الرِّجل أو الساق في المثل الشعبي الشهير «رِجل الديك تجيب الديك»، وهو إشارة سلبية للأطراف السفلية، التي من خلالها يتم القبض على الديك السيئ، بينما تختزل اليد شعبيًّا مختلف معاني الخير في المجتمع..
لكن رمزية الأيدي تتجاوز اختزالها فقط في معاني الخير؛ فقد تكون تلك الأيدي الطويلة والكثيرة والممتدة من أعلى إلى مختلف أماكن العمل، وفي أغلب أوجه الحياة العامة؛ فهي التي تحدد إلى حد كبير معايير الاختيارات؛ فالخيار ليس بالضرورة للأفضل في أغلب الأحيان؛ فهي للذين يتمتعون بتواصل مع أيدي الخير والتأثير، وهي تمثل المحسوبية التي قتلت، وما زالت تقتل مختلف أوجع الإبداع والإنجاز الفردي في المجتمع.
قد يكون التعامل مع المحسوبية في مكان العمل أمرًا صعبًا، خاصة إذا كنت أنت في الطرف القصير من العصا؛ فالمحسوبية، أو احتكار الفرص بسبب علاقة عائلية أو صداقة أو محسوبية، لها تاريخ طويل وعالمي، ويتجاوز فلسفة أيدي الخير أو الواسطة أو رمزية الولاء والمصالح.. يقول روبرت جونز، أستاذ علم النفس الصناعي التنظيمي في جامعة ولاية ميسوري: «المحسوبية جزء طبيعي من الهبات البشرية»، وهو مرتبط بالثقافة، وحسب جونز «يكاد يكون طريقة للحياة في كثير من المجتمعات».
ترتبط المحسوبية عمومًا بمعانٍ سلبية في الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة أوروبا الغربية، خاصة إذا كان المتلقي المفضل غير مؤهل؛ إذ يمكن للمحسوبية أن تُلحق الضرر بالأعمال من خلال التأثير على معنويات الموظفين؛ وهو ما يسبب الاستياء وانحدار الإنتاجية. وقد تكون المحسوبية لها أوجه إيجابية إذا كان المحسوب يتمتع بقدرات إيجابية ومؤهلات فردية، تجعل منه مثالاً يُحتذى، بينما قد تكون في غالبها مدمرة حين يكون المؤهل شخصية سيئة، واستغل ثقة اليد الأعلى لتدمير مكان العمل..
تعتمد الطريقة التي يستجيب بها الناس للمحسوبية في العمل إلى حد كبير على مؤهلات المرشح المعني والوعي الذاتي له، وكذلك الشفافية في عملية التوظيف. وإذا وجدت نفسك في موقف عمل حيث تعد المحسوبية عائقًا، وتعطل رضاك عن مكان عملك ونموك المهني، فعليك أن تكون مهنيًّا وتنافسيًّا إيجابيًّا قدر الإمكان..
حاول أن تبتعد عن المهاترات، وأن تحتفظ بالمستندات التي تثبت دومًا قدراتك وكفاءتك، واعمل على خلق جو أكثر سعادة من بيئة صراع الأيدي في أمكنة العمل، التي تكاد تقتل بيئة العمل. وخلاصة القول: إن رِجل الديك تجيب بالتأكيد الديك السيئ، كذلك قد «توفر» اليد في بعض وجوهها السلبية المناعة والحماية لأولئك الذين يفسدون في أماكن العمل بلا حساب.