د. حسن بن فهد الهويمل
جئت متأخرًا إلى «تويتر» بتحريض من أبنائي، ولم أكن في البداية أعرف أسلوب التعاطي مع المداخلين، ومن ثم شُغلت بالمناكفات، ظنًا مني أن كل صاحب موقع يحترم نفسه، وقبيله.
كنت أتساءل عن دواعي التَّقَنُّع والاختفاء. وكان مِنْ ورائي أصدقاء، وزملاء، وطلاب متمرسون. وكنت استرشد بهم، وأثير بعض التساؤلات البدائية.
وفي النهاية أتقنت اللعبة، وعرفت لماذا تتحجب الأكثرية، ولماذا تكثر البذاءة، وسوء الأخلاق، والافتراءات.
لقد تلقيت الكثير من المداخلات المخلة بالمروءة، وضقت ذرعًا بتزايدها، ولما تبين لي ماكنت جاهلاً به خَفَّت حدة الانفعال، وهدأت ردود الأفعال، بل أحسست بشيء من الهدوء، أمام أعنف الردود، حتى تساوت عندي الأنوار، والظلم. إذ تبين لي أن عالم «تويتر» عالم غرائبي. والدخول فيه كالدخول في عش الدبابير.
إنه عالم مهم فاق بأهميته كل الوسائل الإعلامية التقليدية، إذ إن صوته ندي، والدخول عليه يلهي عن كل مهمة. وما كان مثار تساؤل ملح حول كثرة المتحجبين أصبح شيئًا عاديًا.
هناك علمانيون متعنتون، و[ليبراليون] متذيلون، وطائفيون مُتَعصِّبون، ومتمذهبون متهالكون، وإلحاديون مارقون، ولفيف من الحثالات، والغثائيين، والرويبضات. وقل ما شئت عن التافهين، والمتذيلين الذين يتعمدون إلغاء أنفسهم، ويركضون وراء مختلف الصيحات.
بعد هذه التوطئة الطويلة أعود إلى متطلبات العنوان، بوصفه سؤالاً يتطلب إجابة: [الدين]، و[الدولة].
من خلال تعاملي مع هذه الخدمة الأهم [تويتر] اتضح لي أن [الشعب السعودي] يتمتع بخصلتين حميدتين هما الأهم في ظل هذه الظروف المخيفة، ظروف التفلت، والتفرق، والتناحر، والفشل، وذهاب الريح.
[الشعب السعودي] شعب متدين بطبعه ممتثلٌ لأمر ربه، مستقيم على المأمور: عقيدة، وسلوكًا، وخلقًا، وتعاملاً.
وما يبدر من بعض شبابه، أو من غيرهم فشاذ لا يكسر السمة، ولا يخيب الرهان.
والشعبُ السعودي شعب محب لقيادته، المتمثِّلة بالأسرة الحاكمة. ولهذا تجد آلاف [الترويسات] تحمل صورة الملك مقرونة بصورة ولي العهد.
هاتان الخصلتان اتضحتا لي وأنا أتابع المواقع، واستقريء ما تهدف إليه.
وتلك من النعم التي حقق الله للمملكة من خلالها: الأمن، والإيمان، والاستقرار، والتلاحم. إنها [صخرة الوادي] التي تكسرت عليها معاول الهدامين المحرضين على الفتن.
نسأل الله أن يقرها، وأن يساعدنا: دولة، وحكومة، وشعبًا على تجذيرها، وانتشارها، وتعليم أبنائنا، وبناتنا على التعود عليها، والتمسك بها، إذ لا عز لأرض المقدسات إلا: بعقيدة [أهل السنة، والجماعة] العقيدة النقية التي كان عليها محمد، وأصحابه.
ولا استقرار إلا بتعزيز جانب الدولة بالولاء، والمحبة، والنصح. فالمواطنة ليست مقايضة، إنها أخذ بحق، وعطاء بلا ثمن.
[الوطن] مأوى الإنسان، وملاذه بعد الله، وأهميته لا تقل عن أهمية الدين، ولهذا قرن الله بين المقاتلين في الدين، والمخرجين من الديار.
الأمن، والاستقرار، والكرامة، والحرية المنضبطة بضوابط الدين هي الحياة السوية، التي أنعم الله بها على وطن المقدسات.
ومن خَفَّتْ عنده تلك الأشياء قضى حياته شقاء، وتشردًا، وضياعًا، وخوفًا.
لقد أطعمنا الله من جوع، وآمننا من خوف، وحقه علينا الحمد، والشكر، والامتثال لأمره، والاستقامة على المأمور.
هاتان الخصلتان الحميدتان لم تتوفرا لكثير من الشعوب العربية، ومن ثم أصبحت قابلة للفتنة.
والواقع خير شاهد على الضياع، والتشرد، والخوف.
نسأل الله الثبات على الحق، والنجاة من الموبقات، كما نَسْألهُ السلامة من شرِّ المتفلتين، والمتذيلين، وعَبَدَةِ الأهواء، وأذلاَّء: الشهوات، والشبهات. إنه ولي ذلك، والقادر عليه.