د.ثريا العريض
واضح أن المواطن السعودي اليوم خاصة فئة الشباب يجني ثمار انفتاح البلد على العالم. والمرأة؛ كبقية الفئات تعي حقوقها بصورة منظمة كمجموعة ذات أهلية لها حقوق شرعية وترفض أن تغمط حقوقها أعراف المجتمع, وتفضيلات المستفيدين.
والحمد لله أن القيادة الواعية تدعم حصول المرأة على حقوقها الشرعية, حيث المرأة كفرد أضافت المطالبة بحقوقها المشروعة في تعامل المجتمع معها, إلى المطالبة بحقوقها الشرعية المستلبة في تعاملات بعض الأسر بأسباب أنانية تدفع لتأطيرها واختزالها جسدياً. وقد حصلت عبر هذا الدعم الواعي على حق الحضور والمشاركة الفاعلة في الحياة العامة, وعضوية مجلس الشورى وعلى حق الترشيح والانتخاب للمجالس البلدية, والتعيين في مناصب عليا مشاركة في صنع القرار العام, وقيادة السيارة. والتعديلات الجديدة تمنحها حرية القرار الفردي متى ما تجاوزت سن الواحدة والعشرين.
مع الأسف بعضنا رجالاً ونساءً لا يستطيعون تقبل مجرد التفكير في مثل هذه المستجدات التي ستعطي المرأة حق الحضور والفعالية بمشيئتها دون تدخل ولي الأمر الذكر. ويتعدى البعض الرفض إلى تأطير هذا الفكر بصورة تجرم من يعارضه. والأسوأ أن هذا البعض منا يرى بأن المرأة قاصرة الفهم بالطبيعة, وبالتالي هي عاجزة عن الوصول للخيار الصواب في ما يختص بأهم قرارات حياتها بما في ذلك إكمال تعليمها أو التوظف أو الابتعاث أو حتى اختيار شريك حياتها.. ناهيك أن تناقش قضاياها وقضايا المجتمع أو تشارك في صنع القرار.
كما هو الحال في كل تقرير تعميمي أقول: آفة الرأي التعميم!.. ومجرد تأكيد رؤية هذا البعض لكل امرأة أنها قاصرة الفهم بصيغة تعميمية -بمعنى أن كل امرأة قاصرة الفهم بالطبيعة- يحمل بذرة دحض هذا الرأي المتحيز.
شكراً للقيادة الحكيمة التي ما زالت تدعم حق الفرد في تحديد مسار حياته متى ما بلغ سن الرشد.. وقد وضحت التعديلات أنه حق مواطنة لا يرتبط بالجنس.
في حالة الإناث الأصح تعبيراً عن الواقع هو أن ليس كل امرأة عاجزة عن تفهم احتياجاتها الخاصة وبكل كفاءة؛ مثلما ليس كلهن قادرات على ذلك. أن تبقى الأعراف المرأة في موقع المضاف إليه قاصرة مدى العمر وضع بعيد عن تحقيق التوازن والعدل والسمعة المحترمة. والأجدى أن ينظر إليها بموضوعية في كل حالة, ولا يسرى رأي واحد يعمم على كل الإناث يصنفهن قاصرات عن تحمل المسؤولية مقارنة بالذكور أو تفوق كل الرجال على النساء. كل رأي ينفي كفاءة قدراتها العقلية ويحرمها من المساهمة لمجرد أنها أنثى هو رأي خاطئ طالما هو معمم على الجميع. وقد يصدق إن قيل عن امرأة بعينها يعرفها القائل, فهناك بين النساء مثلما بين الرجال درجات من القدرة.
بعض النساء عاليات النبرة مما لا يريح المجتمع التقليدي بشقيه نساء ورجالاً.. ولكن علو النبرة الذي لا أرتاح إليه شخصياً أتفهم أنه يعبر عن شدة الضيق ورفض استمرار المعاناة وكأنها الوضع الطبيعي الذي لا يناقش ولا يعترض عليه. كل شيء ما عدا الثوابت الواضحة قابل للبحث والنقاش والاعتراض عليه والتعديل لما هو أفضل. وما زال هناك ما يحتاج للنظر في تعديله كوضع أبناء المواطنة وحقهم في الهوية كأبناء المواطن.
لذا يسعدني كمختصة في تنمية المجتمع بصورة شمولية أن التعديلات تشمل الجنسين لتحدد الوضع القانوني للفرد بناء على العمر وبذلك فيها استقرار نفسي للأسرة والمجتمع.. وبمتابعتي لمحاولات التغيير تحت مظلة القانون أرى أن النتائج لا تأتي فقط عبر الكلام والجدال والصراخ فقط للفت النظر إلى كون فئة ما غير راضية عن أوضاعها. العامل الأهم في التصحيح هو انفتاح رؤية صانع القرار والاهتمام بمعالجة هذه الأوضاع بصورة إيجابية تكاملية متوازنة تخدم كل الأطراف المستحقة وشجاعة تطبيق ذلك بقوة القانون مقابل أنانية الأعراف.. والحمد لله أن من يمسك زمام القرار يدرك كم هو استقرار المجتمع وأمنه مرتبط بدعم فاعلية الفرد ورضاه عن انتمائه ودوره.