د. سليمان بن محمد العيدي
في 30-8-1440هـ وفي قصره في المحمَّدية طلبتُ من الدكتور عبد الرحمن الشبيلي -رحمه الله- زيارته والاتفاق على تقديم حلقة عن البرنامج الرمضاني في قناة 24 (لقاء خاص)، فرحَّبَ وحَّدد موعداً بعد صلاة العَصْر، وتوقَّعت أنه أول من سيكون متحدثاً في البرنامج، وصلتُ إليه وجلسنا ساعة مسائية حتى قبيل المغرب لأخرج بموعد معُجْز يتطلُب تحقيقه تلبية شروط أملاها عليَّ صاحب المهنة الإعلامية التي يجب على الإعلاميين أن يَفْهموا قيمتها، وهي التحضير المُسبق لأي لقاء أو برنامج إذاعي أو تلفازي، خلال ساعة ونصف الساعة أعاد إليَّ رسم أهمية إعداد البرامج وأنه ليس من السهولة أن أوافق معك أخي سليمان إلا بشرط أن تقرأ كتُبي في مجال الإعلام والتاريخ والتوثيق، وذكر قصة غائبة عني فقال: أنت أمضيت 40 عاماً في الإعلام تُرى ما قصة نقل الشعائر من عرفات؟ صمتُ احتراماً للذائقة الشِّبيلية والذاكرة الإعلامية، فقال هل تعلم سليمان أنه حتى عام 1390هـ-1970م لم يكن التلفزيون ينقل الشعائر، والأقمار الصناعية لم تكن موجودة؟ لكن هناك عندنا جبل الشماسي وجبل باجابر نسبة لمهندسين عندنا في التلفزيون وهما همزة الوصل من عرفات إلى مكة ثم جدَّة، لأن هذين الجبلين أعلى قمم الجبال هناك، من بعد هذا التاريخ حرصت الدولة ووجه وزير الإعلام بالنقل المباشر مهما كلف بتوجيهات من الملك فيصل -رحمه الله- ثم شارك المذيعون من العالم الإسلامي على التناوب في التعليق بطرق تتسم بالرقابة والتكرار حتى فكرنا بإشراك المشايخ مثل الشيخ علي الطنطاوي والشيخ محمد متولي الشعراوي في الأعوام 1394هـ - 1396هـ، وفعلاً شاركوا معنا في التعليق، والقصَّة تطول حتى رأينا اليوم وبشكل مباشر تشكر عليه وزارة الإعلام. هذه جوانب من أشياء ودي تطَّلع عليها حتى يكون اللقاء مفيداً. ثم أهداني كتابه «مشيناها»... في ذلك اليوم خرجت بعده بوداعية جميلة أليفة كعادته مبتسماً ولم يخطر ببالي أن شروطه معجزة أن تقرأ وتحضَّر للقاء شخصية بحجم الدكتور عبد الرحمن الشبيلي -رحمه الله- كان جيله عصامياً جاداً قامت على أكتافهم منظومةٌ إعلامية وتجهيزات فائقة العطاء، في عهده انطلق التلفزيون، وجاء التلفزيون الملَّون، حدث ربط المحطات مع بعضها وحصل في وقته عندما كان مديراً عاماً للتلفزيون الابتعاث المبكر للطاقات الهندسية السعودية المؤثرة، وضع أسُساً لجيل اليوم من الإعلاميين الذين أمضى -رحمه الله- معهم موجاً بعد ترجله من الإعلام إلى التعليم ثم الشورى وبعدها مرحلة التوثيق... رافقته في رحلة عاجلة إلى جامعة الباحة حيث قدّمتُه في محاضرته في معرض الكتاب بالجامعة باستضافة من الجامعة، وكان يستغل كل لحظة في حياته ليوثِّق تاريخها، قرَّرَ هو وزملاء في الجامعة ما يعرف (قرية ذي عين بالباحة) ووثق تاريخها، كان حريصاً أن يُمضي المساء بتلبية دعوة أمير المنطقة حينها سمو الأمير حسام بن سعود رغم مشواره الطويل ذلك اليوم، يعرف ذلك من رافق د. عبد الرحمن الشبيلي في تنقلاته وأعماله جاداً مبتسماً منظماً لديه الوقت معتبر والكلمة لها مدلول والتاريخ هدفٌ يسعى دوماً لرَصْده -رحمه الله- تعلمنا منه شيئاً من حياته صبره ولغته وهدوئه وانضباطه مما يعني فعلاً أنه أستاذ الجيْلين إذا علمنا أنه سجل خمسة وخمسين كتاباً ومحاضرة جاء معظمها في مجالي الإعلام والأَعلام. رحم الله فقيدنا الغالي أستاذ الإعلاميين د. عبد الرحمن الشبيلي وغفر له وألهم أُسرتَه ومُحبيّه الصبر والسلوان. وسيبقى الشبيلي عَلَماً من أعلام المملكة تُدرس كتبه للأجيال.. رحمه الله رحمة واسعة.