فضل بن سعد البوعينين
تُسخر الحكومة كامل طاقاتها لإنجاح موسم الحج وتقديم أرقى الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وضمان أمنهم وسلامتهم وتمكينهم من إتمام مناسكهم بيسر وطمأنينة. وفي الحج؛ تتكامل الخدمات المقدمة بالرغم من اختلاف الجهات الحكومية المسؤولة عنها؛ في منظومة إدارية فريدة لا تسمح بحدوث الخطأ. فالتعامل مع أكثر من مليوني حاج في مساحة ضيقة وفترة زمنية محدودة، تتحرك ككتلة واحدة بين المشاعر يتطلب الكثير من الجهد والتنسيق والتكامل الأمثل؛ وقبل كل هذا المرجعية الموحدة الضامنة لسير العمل وانسيابيته.
جهاد حقيقي يتكرر كل عام؛ ويتطلب الاستعداد له عاما كاملا يبدأ من نهاية كل موسم حج وحتى انقضاء الموسم الذي يليه؛ وهكذا في كل عام. فبالإضافة إلى الجهود الأمنية المكثفة؛ وما تقدمه الأجهزة الحكومية من خدمات متنوعة وعدد المشاركين في تقديمها والإشراف عليها، تبرز أهمية البنى التحتية وتهيئة المشاعر وطرح المشروعات وتنفيذها والخطط المستقبلية المتوافقة مع التوجه الإستراتيجي لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة؛ والمحقق لأهداف «برنامج خدمة ضيوف الرحمن» ومنها تيسير استضافة المزيد من المعتمرين وتسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين، وتقديم خدمات ذات جودة للحاج والمعتمر، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية. استضافة 30 مليون معتمر، وخمسة ملايين حاج بحلول العام 2030 ليس بالأمر الهين.
تعمل القيادة لتوفير بيئة النجاح الحاضنة؛ وبخاصة البيئة التنظيمية والتشريعية والمرجعية الموحدة؛ لذا أنشأت القيادة؛ الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة؛ لتكون السلطة العليا المسؤولة عما يقدم من أعمال وخدمات ومشروعات في نطاقها الجغرافي.
وبالرغم من إطلاق الهيئة رسميا؛ إلا أنها ما زالت في مراحلها الأولى؛ لذا لن تتمكن من ممارسة صلاحياتها أو البدء في أعمالها خلال موسم هذا العام؛ خاصة وأن التجهيز للموسم الحالي قد بدأ فعليا منذ محرم الماضي أي قبل استكمال تنظيم الهيئة؛ وهذا لا يمنع من وجودها كمتابع لما يتم تنفيذه من قبل الجهات الحكومية المعنية بخدمة حجاج بيت الله الحرام؛ حيث يعد ما تقدمه الأجهزة الحكومية جزءاً رئيساً من المكونات الأساسية لمشاريع الهيئة الملكية الإستراتيجية والمستدامة. فأعمال الهيئة التنفيذية المرتبطة بالحج لم تبدأ بعد؛ وإن كنت أعتقد أن أعمالها الأساسية سترتبط بالرؤية الشاملة أو المخطط العام الذي يفترض أن يحكم جميع الأعمال المستقبلية؛ وفق آلية منضبطة وإستراتيجية موحدة وجهات تنفيذية تحت مظلة الهيئة نفسها. فمن أولويات الهيئة المعلنة «وضع خطة إستراتيجية لمدينة مكة» تحقق الأمن والانسيابية وتتميز بالحيوية وطابعها الفريد ونسيجها المجتمعي والعمراني؛ وهذا ما تحتاجه مكة بالفعل.
وبالرغم من قصر عمر الهيئة؛ إلا أنها نجحت في تأسيس شركة المشاعر المقدسة للتنمية والتطوير التي ستتحول إلى ذراع تنموية لها؛ تسهم في تنفيذ المشروعات وخلق الشراكات وضمان جودتها؛ ونجحت أيضا في إنشاء منظومة مستدامة ونظام بيئي متكامل لمدينة مكة والمشاعر؛ ووضع أنظمة وضوابط للتأجير الاستثماري الذي يعتبر من التحديات.
أجزم أن وجود الهيئة كمتابع في موسم هذا العام سيعطيها رؤية شاملة لمجريات الحج وما يتطلبه من مشروعات مستقبلية تعينها في وضع إستراتيجيتها وفق الواقع المعاش.