د. محمد بن إبراهيم الملحم
الآباء الذين يدخلون أولادهم إلى المدارس الحكومية هناك محدودية لخياراتهم لأن النظام يلزمهم بمدرسة الحي إلا أنه وفي بعض المدن أو الأحياء تتوفر أحيانا درجة من السعة في المدارس فيكون انتقال الطلاب ميسرا فيما بينها، ومع أن هذا الموضوع لا يمكن أن تقدم فيه النصيحة بشكل متساوي للجميع ذلك أن كل طفل أو طالب له احتياجاته أو ظروفه المختلفة عن غيره إلا أن هناك جوانب مشتركة يتساوى فيها الجميع في أغلب الأحوال. أولا وبدون شك المبنى المدرسي فهو المكان الذي سيقضي فيه الطالب 6 ساعات تمثل 40 % من نهاره فلابد أن يكون المبنى وتجهيزاته مناسبا «للمعيشة»، وأهمها: دورات المياه والتكييف وانتفاء أي مخاطر تهدد سلامة الطفل مثل الفتحات غير الآمنة لخزانات المياه الأرضية، إمكانية الوصول إلى السطوح وخطورة السقوط، انخفاض أسوار الشرفات المطلة على الأدوار السفلى وما إلى ذلك. أما لو انتفت كل هذه المخاطر وتوفرت المنافع المعقولة والنظيفة والتكييف الجيد فحتى لو كانت المدرسة بيتا مستأجرا أو مبنى حكومي قديم فسيكون بيئة تعليمية أفضل من مبنى حكومي ضخم جديد يشكو من هذه العلل أو أكثرها، قرب الموقع هو أساس لدى أكثر أولياء الأمور والهدف هو أن يذهب الطفل بنفسه للمدرسة ولا يكلفه عناء توصيله، وأظن أن هذا معيار غير مناسب لأطفال المرحلة الأساسية الصف الأول حتى الثالث خاصة في ظل ظروف حالية لا يضمن فيها الاعتداء واستغلال الأطفال، وفي الغرب لابد أن يأتي أحد الوالدين لاستلام الطفل من المدرسة يوميا، وهذا حق للطفل لضمان سلامته ويجب أن يلتزم به الأبوان «القادران» على ذلك.
المعلمون هم المرتبة التالية في المعايير برأيي وإن كنت قد أضعها في المرتبة الأولى وهناك مقولات سارية في هذا الشأن مثل «أعطني معلما متميزا أعطيك أمة» و «أعطني معلما ولو تحت ظل شجرة» وكذلك في معرفة الشيء بضده قول بعضهم «اعطيني معلما بلا ضمير أخرج لك أجيالا بلا مستقبل» وكلها حق، فينبغي أن يحرص الوالدان على المعلم خاصة في السنوات الأولى والروضة، حتى لو كان الوالدان معلمين ممتازين يدرسان أولادهما في المنزل فلا غنى عن المعلم المتميز في المدرسة للسنوات الأولى التأسيسية لأن أثره أمضى منهما بمراحل، وهذا معروف ومشهور، ولو أنفق الوالدان نصف ما يملكان على هذا الأمر فهما محقان وليست خسارة أبدا، وبعد السنة الثانية أو الثالثة تخف هذه الحاجة «نسبيا» بحيث إذا كان لدى الوالدان إمكانية التدريس فيمكنهما تغطية ضعف المدرسة ليبقى لها دور التنشئة الاجتماعية لشخصية الطالب وتعويده على جدية الحياة، وهذه أحيانا مشكوك فيها في بعض المدارس المترسلة، وهذا ينقلني إلى العامل الثالث والمهم في المعادلة المدرسية وهو إدارة المدرسة فقائد المدرسة الناجح هو من يجعلها منضبطة كمكان تربوي حتى لو افتقد المعلمين المتقنين لتخصصاتهم وكانت قدرتهم التدريسية (لتقديم المعرفة) ضعيفة إلا أن قيادته الحكيمة والحازمة والسديدة تجعلك تطمئن أن الطالب في مكان آمن فلن يرى سلوكيات خاطئة لا من الطالب ولا من المعلمين (وللأسف!) ولذلك تشتد الحاجة إلى هذا العامل كلما تقدم الطالب في المراحل الدراسية فعندما ينتقل من المرحلة الأساسية إلى المرحلة الابتدائية (الصفوف 4-6) فهو بحاجة إلى إدارة نشطة حكيمة تربوية، تفعل الأنشطة التي تلتقي مع هذا السن وتهتم بها لأن الطالب هنا تبدأ شخصيته في مراحل التشكل الأولى، وفي المرحلة المتوسطة تحتاج إلى المدير الحازم القوي والذي يهابه البعيد المشاغب ويرغب فيه القريب المجتهد، وهذا فن متقدم في القيادة المدرسية لا يتقنه إلا النوادر ولذلك مشهور أنه من النادر أن تجد مدرسة متوسطة «متميزة» إداريا، وفي الثانوية تسهل مهمة قيادة المدرسة أكثر ولكنها تحتاج إلى شخصية مثقفة واعية حكيمة قادرة على ضبط المراهقين وتمكين الشباب.
عندما أقدم هذا السرد عن الإدارة المدرسية ودورها الحيوي في اختيار المدرسة المتوسطة والثانوية فإني أتنازل قليلا عن العوامل الأخرى مثل التدريس والمبنى المدرسي لأن الطالب في هذه السن يمكنه أولا التعامل مع مشكلات المبنى ويستطيع المحافظة على نفسه كما أنه يكون قد طور مهارات التعلم الذاتي، بافتراض أن والديه يساعدانه في المراحل المبكرة على ذلك ويؤسسان هذه الشخصية المعرفية لديه، لذلك يبقى العامل الأهم في رعاية الطالب والاهتمام به هو في الإدارة المدرسية الواعية التي تضمن بيئة صحية لنمو شخصيته بعيدا عن المشوشات الثقافية والاجتماعية أو زرع السلوكيات الخاطئة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ماذا عن المدرسة الأهلية ؟ سأتحدث عنها لاحقا.