حمد بن عبدالله القاضي
إذا كان الثناء على الأحياء أمرًا محمودًا حيث يقول الله {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} فإن ذكر محاسن الراحلين والحديث عنهم هو عنوان الوفاء وقمة الإيفاء، بل هو استجابة لأمر المصطفى «اذكروا محاسن موتاكم» ليكون سببا في الاقتداء بهم أما الأهم فهو: الدعاء لهم عند ذكر أعمالهم المباركة وسجاياهم الندية وصنائعهم الجميلة التي قدموها في حياتهم.
* * *
إجماع على خلاله
الناس لا يتفقون على باطل وبخاصة الثناء على متوفى.
الأمير الراحل بندر بن عبدالعزيز أجمع كل من عرفه على قربه من ربه وخوفه منه، وأجمعوا على عفة لسانه وأن قلبه كان معلقًا بخير بقاع الأرض «مكة المكرمة» فهو لا ينقطع عنها ويزورها في فترات متقاربة لتأنس فيها روحه ويقترب من بارئه.
* * *
لقاء معه بأحب البقاع عنده
لم ألتق بسموه إلا مرتين وكلها بمكة المكرمة المعلق قلبي بها كما قلبه: مرة بالحرم الشريف عندما كان يصلّي فيه رحمه الله.. وجدته مع عدد من أصفيائه وسلمت عليه وقبلت رأسه وعرفته بنفسي وسألت عن صحته ثم تحدثت معه عن أم القرى «التي ترتاح بها الأرواح وتسعد فيها القلوب وقد أنس -رحمه الله- لهذا الحديث ثم ودعته.
أما المرة الثانية فبعدها بسنوات ليست قصيرة، زرته بمسكنه البسيط جهة المروة وكان بحضور عدد من الفضلاء وكان الحديث عن الأمن بمكة المكرمة وبوطننا عموما وعن استجابة دعوة أبينا إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} ثم ودعته ولم ألتق به بعدها وأسأل الرحمن أن يكون لقائي به في جنة المأوى.
* * *
لماذا زهد بالمناصب؟
كلما تذكرت سمو الأمير بندر عجبت من زهده بالمناصب ولعله زهد بها لأنه كان يطمح إلى ما هو أعلى من مناصب الدنيا
ومن ناحية أخرى أدرك رحمه الله أن المنصب سيقيد حركته ويتحكم بسفره وإقامته وقد يحرمه من الذهاب لمكة المكرمة التي يحبها في الوقت الذي يرغب، فضلا عن ذلك أن استحقاقات المنصب تجعل وقته ليس ملكًا له بل مرتهن لاجتماعات وسفريات وتوديعات لذا وجد راحته ببعده عنها على نهج ذلك الشاعر القديم الحكيم الذي قال:
وَهَمَ الذي ظن الوظائف راحة
هي راحة الأسرى إلى الأغلال
* * *
سجاياه متمثّلة في أبنائه
إن الأمير بندر -غفر الله له- مثلما أبقى أعمالاً صالحة وذكرى عطرة ومحبة له في قلوب من يعرفوه فقد ترك بفضل الله أبناء وبنات فضلاء من أصحاب وصاحبات السمو وكل من عرفهم وتعامل معهم يدرك الأخلاقيات التي نشؤوا عليها وتمسكوا بها، ومن سيراهم بعد رحيل والدهم سيجعلونه يتذكره ويدعو له.
لقد رأى المواطنون خصال والدهم متمثلة بهم وخاصة من تولى مناصب حكومية كسمو الأمير فيصل بن بندر عرفه أهل عسير بكل مزايا الخير والجدية عندما كان نائبًا لأمير عسير ثم عرفه أهل القصيم الذين أحبهم وأحبوه وكانت له آثار وأعمال كبيرة عندما تولى إمارتها ونعم بها أهالي القصيم بكافة مناحي التنمية ثم عندما نال الثقة الملكية بتولي إمارة منطقة الرياض التي كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أميرًا لها فاختاره مع ولي عهده ليكمل مسيرة الإنجاز بالعاصمة ومحافظات ومراكز المنطقة سائرًا على خطى خادم الحرمين كما يقول ويعلن سموه.
سمو الأمير خالد بن بندر كانت له بصماته سواء بوزارة الدفاع أو عندما نال الثقة الكريمة بتوليه إمارة الرياض ورغم قصر مدة توليه لها فقد أنجز أعمالاً مشهودة أمام سكان المنطقة وعاصمتها الرياض واستمرت الثقة به رئيسًا للاستخبارات العامة وأخيرًا مستشارًا لخادم الحرمين.
الأمير عبدالله بن بندر الذي لم يمض عليه وقت طويل بالعمل الحكومي إلا أنه كان له حضور لافتًا بالإنجاز سواء عندما تولى إمارة مكة المكرمة والآن عندما نال الثقة بتولي وزارة الحرس الوطني ومنتظر منه الكثير.
وكذا بقية أبناء وبنات الراحل بأعمالهم الحكومية والخاصة هم «أيقونات» بالخلق والتواضع والعطاء لدينهم ووطنهم -حفظهم الله- ورحم والدهم الذي زرع فيهم أجمل القيم وأنقى السلوكيات.
* * *
عمل مبارك يحمل اسمه بمكة المكرمة
أتطلع ويتطلع محبو سمو الأمير بندر بن عبدالعزيز أن ينهض أولاده وبناته البارون بعمل مبارك: اجتماعي أو خيري أو علمي ليكون منارة تحمل اسمه لاستمرار الذكر الطيب له وللتذكير بالدعاء له.
وما أجمل أن يكون هذا «العمل» في البلدة التي أحبها «مكة المكرمة» لذا لعلهم -حفظهم الله- يفكرون بأنسب أي عمل يخلد اسمه ذكرًا وأجرًا.
* * *
وبعد.:
كل الناس يرحلون من هذه الدنيا: الأخيار والأشرار، الصالحون والطالحون، الوزراء والخفراء.
لكن السؤال ماذا يتبقى للإنسان في دنياه!
إن خير الناس من يُبقى له العمل الصالح والذكر الحسن في الدنيا وهذا ما بقي لسمو الأمير الراحل بندر.
وما أصدق الأحنف بن قيس الذي قال: «ما أبقى الآباء للأبناء ولا الموتى للأحياء أفضل من اصطناع المعروف في رقاب الأحرار».
إن الذين رحلوا وقد نفعوا الناس بمالهم وجاههم بقوا في ذاكرة الناس.
وبقي أبناؤهم وبناتهم موضع التقدير والمحبة من الآخرين.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة واجمعه مع أبنائه وبناته وأسرته بجنات ونهر، بمقعد صدق عند مليك مقتدر.