علي الأحمدي
قال الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} بقلوب مؤمنة راضية بقضاء الله وقدره.. ودعت المدينة المنورة قبل أيام قليلة واحداً من أبرز أعيانها ورجال أعمالها الشيخ سعود بن محمد الزغيبي، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى، بعد عارض صحي ألم به في الأشهر الأخيرة، حيث تمت الصلاة عليه في المسجد النبوي الشريف، وتم دفنه ببقيع الغرقد وشيّعته جموع كبيرة من كبار الشخصيات والأعيان والأقارب، تاركاً في قلوبنا وقلوب أهله ومعارفه حزناً وحسرات على رحيله، حيث كان يرحمه الله مثالاً للخلق الطيب والمعاملة الحسنة، والتجمل بفضائل المعروف والجود والكرم.
- رحل فقيد طيبة الطيبة -يرحمه الله- بعد مشوار حافل بالعطاء والخير امتد لما يُقارب الثمانين عاماً، عرفه أهل طيبة الطيبة خلالها مواطناً صالحاً وشخصية اجتماعية مرموقة محباً للخير وساعياً للإصلاح بين الناس، رجل يصعب وصف أخلاقه، ونقاوة قلبه، وسريرة خاطره، وطيب معدنه، ورجاحة عقله.
- عاش يرحمه الله حياةً كانت مثالاً للتفاني والإخلاص، وصدق الانتماء للقيادة والوطن ومحبة الناس والإحسان إليهم والوقوف إلى جانبهم وقت الحاجة.. حظي بتقدير الكبير ومحبة الصغير.
- عرفت هذا الشيخ الجليل والعم القدير، عن قرب وهو مدرك تمام الإدراك أن الدنيا مطية للآخرة، وأن العبد إذ لم يصنع فيها جسراً للعبور إلى رضوان الله فلا خير فيها.. عرفته مترفعاً عن الدنيا, مبتعداً عن الموبقات, ضابطاً لنفسه، يرقب عطاء ربه, ويبتغي مرضاته، يطلب الدنيا ليستعين بها على الآخرة في سبيل العفو والمغفرة.
- تشرفت بملازمة مجلسه الأسبوعي (مساء كل خميس) بحضور نخبة من رجالات المدينة، كانت له يرحمه الله، هيبة وإطلالة ملفتة مع تواضع وابتسامة هي أكثر ما تُميّزه.. كان الحوار في المجلس لا يخرج عن أدبياته وفي النطاق المحدد له من مسائل إنسانية أو اجتماعية.
- هذا ليس كل شيء عن الشيخ سعود الزغيبي، فهو موسوعة شاملة لمواقف إنسانية متعددة وأعمال خيرية كثيرة يصعب حصرها في مقال واحد.. هو إنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.. وهو رجل تجده في الأوقات الصعبة.
- ترك غيابه فراغاً كبيراً في حياة الكثير ممن أحبوه وعرفوه عن قرب وترك أثراً ناصعاً وإرثاً زاخراً من الأعمال الجليلة كما خلف ما شاء الله (أبناء وبنات) أحسبهم من الأخيار، رباهم فأحسن تربيتهم (ديناً وأخلاقاً)، وهم -بإذن الله- على نهج والدهم سائرون.
- أسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته وأن يسكنه فسيح جناته (جنة الفردوس).
- اللهم آنس وحشته وارحم غربته وتجاوز عن سيئاته واقبل منه حسناته واغفر له وارحمه وعافه واعفٌ عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار برحمتك يا أرحم الراحمين.
- اللهم أجبر كسر قلوبنا في رحيله، والهم أبناءه (محمد وأحمد وحمد وحمود) وبناته وإخوانه (عبدالعزيز الفهد وناصر الفهد وفيصل الزغيبي) وأهل بيته وأحفاده وأقاربه وأصهاره ومحبيه الصبر والسلوان (إنك سميع مجيب).
- أقول كما علّمنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبا محمد لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
يقول الشاعر:
يا عينُ جودي، فإن القلبَ منفطرُ
وليسَ يشفيه غير الدمعِ ينهمرُ
وكيف يُشفى من الأحزان ذو كَمَدٍ؟
أم كيف يُطفى لهيبُ النار تستعرُ
وهل ترد الدموعُ فجعَ غائلةٍ؟
أم يصرفُ النائباتِ الحزنُ والسهرُ؟
هي المنايا على المُنى مُحكمةٌ
فلذةُ العيشِ شاب صفوها الكَدَرُ
والموتُ حق على العباد مُنحتمٌ
فلا التوقِّي يرده ولا الحذرُ
** **
- علي بن حسن الأحمدي