الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد عدد من الخبراء والمختصين في العلوم الشرعية والاقتصادية والاجتماعية على ضرورة الارتقاء بالأوقاف والعمل الخيري، وذلك وفق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الذي يشكل فيه المحور الثالث للتنمية المستدامة.
واستشعاراً لهذا الدور وإدراكاً لحجم المسؤولية المنوطة في القطاعات غير الربحية، واتفاقاً مع ما حظي به هذا القطاع في رؤية المملكة بنصيب جيد من العناية والرعاية والاهتمام، فإنه يتحتم ضرورة الارتقاء به في أعماله وبرامجه كافة.
من خلال «الجزيرة» قدم الخبراء والمختصون مجموعة من الرؤى والمقترحات المعينة على تطوير مناشط الأوقاف والعمل الخيري في المرحلة المقبلة.
بيوت الخبرة
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله الماجد قاضي الاستئناف وعضو مجلس الشورى سابقاً لقد أصدر خادم الحرمين الشريفين قراراً بإنشاء الهيئة العامة للأوقاف ومن أكبر مهامها دعم هذه الأوقاف وتسهيل سبل تطويرها، وقد باشرت الهيئة مهامها، وظهر أثرها في ذلك بيناً واضحاً؛ فشكر الله لخادم الحرمين الشريفين وللقائمين على الهيئة.
وأرى أن من أولى طرق تطوير الأوقاف هو أن تدعم الهيئة بيوت الخبرة المتخصصة في الأوقاف والوصايا، مثل بيوت الخبرة في إعداد وثائق الأوقاف والكيانات الوسيطة الخيرية أو التجارية غير الربحية التي تخدم هذه الأوقاف في المجال الإداري والقانوني والتقني والمالي والمعرفي، وهذا سيؤدي إلى التكامل وتوفير الجهود والأموال.
وأقترح لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية أو وزارة التجارة بالسماح بالترخيص لنوع ثالث من الكيانات وهي «المؤسسات التجارية غير الربحية» قسيمةً للعمل الخيري البحت والعمل التجاري البحت، أسوة بدول العالم؛ ففي هذا النوع من المؤسسات التجارية غير الربحية يتحقق إيراد ثابت من بيع المنتجات العينية والخدمية، وهذا يثري العمل البحثي الخيري والتعليمي العام والجامعي، وبقية وجوه الخير والبر.
حل المعوقات
ويرى الدكتور سليمان بن صالح الطفيل كبير اقتصاديين بوزارة المالية سابقاً، رئيس مكتب الحوكمة للاستشارات الاقتصادية، وعضو اللجنة الوطنية للأوقاف بمجلس الغرف السعودية، وعضو مركز واقف خبراء الوصايا والأوقاف، أنه بالنظر إلى التطورات الأخيرة التي لحقت جوانب ديدة للنهوض بقطاع الأوقاف في المملكة العربية السعودية، بدءًا من نقل اختصاصات إدارة الأوقاف العامة والخاصة إلى هيئة مستقلة بالأوقاف، تعمل على بلورة جميع الأفكار والرؤى والابتكارات الوقفية، وتصميم نماذج عمل وبناء استراتيجية شاملة للأوقاف، وتطوير الكفاءات والبرامج اللازمة للعمل، والتي كان ضعف وربما انعدام وجودها في السابق من أكبر معوقات الأوقاف في المجتمع إلا أنه مع زخم الجهود والأعمال التي تستهدف تطوير الأوقاف وجعلها جزءًا من النسق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمجتمع السعودي، وما زلنا نرى الكثير من المعوقات التي يجب الإسراع في حلها حتى يمكن مواكبتها لتطلعات رؤية المملكة 2030م، والتي تستهدف رفع مساهمة القطاع غير الربحي -ومنه الأوقاف- في الناتج المحلي من 0.3 % إلى 5 %، ومن أبرز تلك المعوقات، والتي تمثل حجر عثرة أمام عجلة تقدم الأوقاف ونموها في المجتمع السعودي، هي باختصار شديد:
- تعقد الأنظمة التشريعية والبيروقراطية الإدارية في الجهات الحكومية ذات العلاقة بالأوقاف كالقضاء والبلديات والتجارة والقطاع المالي والنقدي، خاصة إذا علمنا بأن القطاع العقاري يمثل النسبة الأكبر من بين أصول الأوقاف بالمملكة والتي تتجاوز نسبتها الـ80 % من إجمالي أصول الأوقاف بالمملكة.
- عدم توفر البيانات والمعلومات الرسمية الصحيحة التي يمكن الاستناد إليها في الدراسات والبحوث والاستشارات للاستنارة بها؛ إذ كيف يمكن عقلا إعداد خطط وبرامج وأهداف محددة في ظل انعدام مثل هذه البيانات.
- عدم وجود منصة إلكترونية للأوقاف أو نماذج وقفية موحدة ومتفق عليها بين جميع الجهات والمراكز الوقفية حتى لا يحدث تكرار في الأخطاء التي تعيق مستقبل نمو وتوسع الأوقاف.
- ضعف المنتجات الوقفية المناسبة لحاجات المجتمع وتكرر الإخفاقات الواضحة في بعض النماذج التي عملت والتي عقدت وعطلت العمل الوقفي.
- ندرة الكفاءات الوقفية التي تجمع بين المهنية والعلمية في مجال الإدارة والتطوير والاستثمار والتنمية والاستدامة.
وليس هناك حاجة للتأكيد على أهمية دور الأوقاف في العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية أو المجتمعية إذا ما علمنا أن الوقف يقوم على شروط أساسية أهمها التأبيد (الاستدامة) فلا ينقطع الوقف، وإنما يمتد إلى أعمال الخير ومجالاته المتعددة حسب حاجة المجتمع.
ولهذا لا يمكن الفصل بين الأوقاف وأعمال الخير والبر بل الآلاف هي إحدى أبواب بذل الخير والمعروف والبر، وعلى هذا الأساس إذا أردنا النهضة بالأوقاف وأعمال الخير في المجتمع السعودي فعلينا بالآتي:
أولاً: الإسراع في حل المعضلات والتحديات التي أشرت إلى بعض منها سابقاً.
ثانياً: ضرورة الاستفادة من المبادرات الوقفية التي طرحت مؤخراً سواء في مجال الصناديق والمحافظ الاستثمارية أو في مجال التنظيمات الإلكترونية الجديدة.
ثالثاً: التنسيق والتكامل بين الجهات ذات العلاقة وإقامة الندوات وورش العمل اللازمة لنقل المعرفة والأفكار والتجارب وتطبيقها.
رابعاً: دعم البرامج والتطبيقات الإلكترونية ونشرها على أوسع نطاق، وإيجاد حلول ابتكارية للرقمنة الوقفية.
خامساً: إقامة مسابقات وفعاليات ومعارض وقفية لإبراز أهميتها وبخاصة في مجال دعم البرامج الصحية والتعليمية والثقافية والاجتماعية.
سادساً: المشاركة في تحقيق المبادرات الاجتماعية والمسؤولية الاجتماعية من خلال تصميم نموذج التشاركية أو مبادرة الاستثمار الاجتماعي أو منصات التمويل الجماعي.
الرؤية الطموحة
ويوضح الشيخ خلف بن علي العنزي رئيس لجنة الأوقاف بالغرفة التجارية الصناعية بعرعر، ومستشار (سابق) بوزارة العدل أن الوقف وعلى مدى التاريخ كان يقوم بأنشطة متعددة في المجتمع بدعم وتمويل الحاجات المتنوعة التي كان يحتاج إليها المجتمع، إلا أنه من الملاحظ انحسار هذا الدور منذ سنوات عديدة، وفي اعتقادي أن رؤية المملكة 2030 العظيمة الطموحة، فرصة كبيرة سانحة ومواتية لقطاع الأوقاف خصوصاً والعمل الخيري عموماً، للنهوض بدورهما الريادي في المجتمع، وذلك يتأتى من خلال ثلاثة جوانب:
1 - الجانب الأول: الجهات والمؤسسات العاملة بالوقف؛ بأن تعيد هيكلتها وخططها، واستثماراتها، بما يتواءم مع رؤية المملكة 2030، وتقوم كذلك بإعداد وتأهيل العاملين بالقطاع الوقفي إعداداً مناسبا مع الاستفادة من ذوي الخبرة في عمل الأوقاف والعمل الخيري، وتحسين وتجويد بيئة العمل، والعناية كذلك بمصارف الوقف.
2 - الجانب الثاني: يتمثل بالجهات ذات العلاقة بالأوقاف والعمل الخيري (كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية- الهيئة العامة للأوقاف- وزارة التجارة والاستثمار، مؤسسة النقد) بتسهيل إجراءات تأسيس جمعيات الأوقاف والعمل الخيري، وتسهيل فتح الحسابات البنكية، وإعفائهما من أية رسوم، وتوحيد إجراءات العمل، وإصدار حكومة موحدة مناسبة لكل منهما.
3 - الجانب الثالث: قيام رجال الأعمال والموسرين بدورهم بإنشاء الأوقاف ودعمها والمساهمة فيها، لينالوا الأجر والثواب في الآخرة، وليساهموا في تنمية وازدهار مجتمعهم، وسد حاجة المعوزين.
تحفيز وتسهيلات
ويحدد الأستاذ عبدالله بن عبداللطيف الحميدي الباحث والمؤلف في الشأن الوقفي والخيري.. أبرز ما يمكن أن يقدم لأجل النهوض بالعمل الخيري والأوقاف وذلك وفق ما يلي:
أولاً: نشر الثقافة والتوعية بالعمل الخيري والأوقاف وبيان دورها وأثرها في تحقيق التنمية المستدامة والرقي والرفاهية.
ثانياً: تسهيل الإجراءات النظامية والرسمية لأجل التوسع في إنشاء المظلات الخيرية الرسمية وتذليل السبل أمامها.
ثالثاً: إنشاء المنصات التقنية الذكية التي يتم عن طريقها تداول العمل الخيري وتحقيق المنافع المتبادلة بين أفراد وجهات المجتمع مثل تدوير المواد الاستهلاكية والأدوات ونحوها.
رابعاً: السعي إلى خلق فرص خيرية تواكب احتياجات المجتمع وتسد العجز أو القصور الذي قد ينشأ من بعض الجهات الحكومية.
خامساً: تحفيز الواقفين والداعمين والباذلين في الأعمال الخيرية وإقرار مزايا خدمية أو مجتمعية لهم وتكريمهم على أعلى المستويات.
سادساً: إعفاء الأوقاف والجهات الخيرية من الرسوم والضرائب الحكومية وكل ما يتعلق بالتزامات العمل والعمال نظير ما تقوم به من خدمات اجتماعية وإنسانية.