فهد بن جليد
أضحى مبارك، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. الحج سيبقى «قمة روحية» سنوية، يجتمع فيها أكثر من «مليار وثمانمائة ألف» مسلم حول العالم، يمثلهم فيها أكثر من «مليونَيْ حاج» سنويًّا ممن يستطيعون أداءها مرة واحدة في رحلة العمر. مشهد يراقبه معنا العالم بأكمله من خلال الأرقام والبيانات التي تعلنها السعودية في كل موسم بشفافية كبيرة؛ ليقرأ «المنصفون» وحدهم المشهد في المشاعر المقدسة بعين عادلة؛ فما تبذله وتقدمه المملكة العربية السعودية من جهود وخدمات لحجاج بيت الله الحرام يفوق الوصف.. ونجاح يوم الحج الأكبر «بالعلامة الكاملة» هو مؤشر لنجاح الموسم بأكمله؛ ففي المشاعر المقدسة تم كل شيء يوم أمس وفق خطط وسيطرة الجهات التنظيمية بطريقة انسيابية، تنم عن احترافية متناهية، وتناغم كبير؛ وهو ما يعني أن رفع الجودة والكفاءة وتجويد «تجربة الحجيج» هاجس مشترك لدى جميع العاملين والمنظمين، يتنامى بينهم كل عام؛ لتقف أمامه الألسن عاجزة عن الوصف؛ فما يحدث الآن في المشاعر المقدسة «تجربة فريدة»، لا يوجد لها مثيل في العالم؛ بقعة محدودة، تستوعب كل هذه الأعداد التي قَدِمت من لغات وثقافات متنوعة؛ لتقوم بالأعمال والمهام ذاتها في تحدٍّ زمني وجغرافي وبشري كبير، تعيشه السعودية كل عام؛ لتتفوق فيه على نفسها بشهادة الجميع بفضل ما هيأته وسخرته بلادنا بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - من مشاريع جبارة وعملاقة، سهلت الرحلة الإيمانية الأعظم، وجعلتها ميسَّرة بإخلاص العاملين، واستشعارهم عظمة وقدسية الزمان والمكان، وشرف المهمة والواجب.
اليوم تتضح «ملامح وجنسيات» الحجيج من خلال ملابسهم وأزيائهم التي يرتدونها إخوة متحابين بعد أن منَّ الله عليهم بتأدية ركن الحج «الأعظم»، والوقوف على صعيد «عرفات» الطاهر، تحفهم السكينة والطمأنينة من كل جانب، عندما جاؤوا إلى هنا بكل أطيافهم متجردين من جنسياتهم وانتمائهم وفروقاتهم المادية والاجتماعية، رافعين «شعارًا واحدًا»، وحّد بينهم ملغيًا كل الشعارات الطائفية والسياسية الأخرى «لبيك اللهم لبيك» تلبية لنداء الحق، وتأدية لخامس أركان الإسلام، دين السلام والوحدة؛ لتقابلهم وتحتضنهم المشاعر المقدسة بكل حب وأمن وأمان، وليجدوا رجالاً صادقين فيما عاهدوا الله عليه، يعكفون ويسهرون على خدمتهم ورعايتهم بأحدث وأفضل صور الرعاية الإنسانية والاهتمام الصادق، وفي مقدمتهم إمام المسلمين وقائدهم خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، اللذان وجَّها بتسخير كل الإمكانات والطاقات لخدمة ضيوف الرحمن، كعادة المملكة في كل عام؛ حتى تقوم بدورها الفريد والكبير في هذه المناسبة السنوية العظيمة.
القصة لم تنتهِ بعد؛ فللتو بدأت فصول جديدة، وصفحات أخرى مشرقة لهذه الرحلة العظيمة في «أيام التشريق» التي كانت تشهد حوادث وازدحامًا ومشقة في سنوات ماضية، ولكنها اليوم تحولت إلى رحلة إيمانية عصرية مريحة «تشبه الحلم»، وما زال للطموح بقية بفضل الله، ثم بفضل تلك المشاريع السعودية الجبارة «مشروع الخيام، جسر الجمرات، قطار المشاعر، وعشرات المشاريع اللوجستية والخدمية والتقنية الذكية الأخرى».
كل عام وبلادنا بخير وإلى خير، ومن نجاح إلى نجاح؛ لتبقى شامخة أبية «عنوانًا» للسلام والأمن والمحبة والطمأنينة لكل مَن يقصدها «عابدًا متعبدًا».
وعلى دروب الخير نلتقي.