إيران ولاية الفقيه هي نفسها إيران القومية الفارسية عبر التاريخ التي تحركها طموحات وأحلام توسعية كسروية، ودأبها القديم المتجدد اليوم في استثمار روحانية وايمانية فريضة الحج لأغراضها السياسية الصريحة والخفية. ويسعى بعض آياتها ومرشدها الأعلى بدافع من التعصب القومي إلى اختطاف المناسبة، مناسبة الحج وإفراغها من مضمونها الإيماني العظيم، ومن شعائرها الموحدة للمسلمين جميعًا في جميع جهات الأرض، خدمة لأهدافها الضيقة، تلبس لبوس الدين وتتزيا بزي الإسلام والمسلمين، لكنها في قلبها الخفي وتُقيتها المكشوفة تمارس سياسة قومية تغذيها أحلام التمدد والانتشار في الإقليم العربي الإسلامي.
كان الحج وما زال وسيبقى مناسبة للقاء والوحدة الجمعانية لكل مسلم موحد مؤمن بإله واحد ورسول مبشر ونذير للناس كافة، وفرصة لإظهار حقيقة التضامن والإخاء بين المسلمين جميعًا، يلتقون على صعيد واحد عند المقدس الأكبر في هذا العالم، يهللون ويكبرون، يتوجهون إلى إله واحد أحد، وينشدون سيرة الرسول الأعظم، ويتطلعون إلى سلفٍ صالح واحد، إليه ننتمي جميعًا، وإلى تراثهم العظيم
لكن سلوك إيران «المذهبي» يأبى مثلما تكرر ذلك في أكثر من حج سلف إلا أن يُصغي إلى نداء القومية المُغطى بلفاع الإسلام المذهبي، فتجيش عواطف البسطاء، وتذكي حماسهم الديني المذهبي، فترسل من خلالهم شارات سياسية هدفها التدخل في المنطقة والخليج العربي والمملكة على وجه الخصوص، تحاول من خلالها أن تعلن عن نفسها القوة الإقليمية الكبرى الوحيدة، التي يحق لها أن تفرض هيمنتها وشروطها كيفما تشاء، وليس بخافٍ على أحد أن الرسالة السياسية الأبعد لإيران هي محاولتها إقناع الغرب وأمريكا من قبل أنها الدولة القومية التي يُعتمد عليها في المنطقة بالنسبة للمصالح المتبادلة بينها وبين الغرب.
لم تعد سياسة التخفي الإيرانية بين الإسلام المذهبي والنزعة القومية تنطلي على أحد، فإيران لا تمارس الاّ وجهًا واحدًا في جوهرها، هو القومية، أما خدعة التستر وراء الإسلام والمذهب، وتقديمها لنفسها دولة إسلامية أو ثورة إسلامية، فلم يعد يفيد السياسة الإيرانية في شيء اليوم. وأكاد أجزم القول إن خطتها هي محو جوهر الإسلام الحقيقي الصحيح، وهي لا تتردد أن تستخدم كل الوسائل في سبيل هذا الغرض، وإلا كيف لنا أن نفسر محاولاتها المستمرة المتكررة لتعكير شعائر فريضة الحج مُستخدمة جموع حجيجها من مواطنيها وغير مواطنيها، عبر التظاهرات وإحداث الفوضى والاضطراب، ورفع الشعارات السياسية أثناء الحج، لا بل فقد بلغت أحقاد بعض مسؤوليها وربما بإيحاء مباشر من الولي الفقيه إلى حدّ تهريب السلاح والمتفجرات إلى الديار المقدسة.
ربما تأخر العرب كثيرًا في السكوت أو غض النظر عن السياسات الإيرانية ضد العرب والمصالح العربية، ويمكن تبرير هذا السكوت لإعطاء ساستها لفرصة كي يراجعوا أنفسهم، ويقتنعوا بعلاقات طبيعية وأخوية مع العرب. وبدلاً من ذلك زادت إيران من وتيرة تدخلاتها واجترأت على المنطقة أكثر من اللازم. ووصلت الأمور إلى التمدد في المنطقة العربية عبر تجييشها لميليشياتها «المذهبية».
آن الأوان أن يُقال لها كفى، وربما كانت عاصفة الحزم في اليمن من خلال التحالف العربي الذي تقوده المملكة، هو كلمة كفى إيران، والمترجمة بالفعل إلى جانب القول. وربما لن يطول اليوم الذي سوف تكّف فيه يد إيران في المنطقة كلها. ونأمل أن يُترجم التحالف العربي إلى صورة مشروع استراتيجية عربية طويلة الأمد لوضع حد لتدخل إيران وغير إيران في شؤون دنيا العرب والمسلمين.
** **
د. خالد ضيف الله مظهور الشراري - العلاقات السعودية الإيرانية
kh_alsharari@hotmail.com