أ.د.عثمان بن صالح العامر
نشرت (سبق) خبر الحاج الكوري جوهر عماد الدين (سوهان) أحد ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للحج والعمرة والزيارة الذي أشار إلى أن الشعب الكوري لا يعرف كثيراً عن ثقافة المملكة العربية السعودية وتميزها بحفاوة الترحيب وكرم الضيافة (وسأصبح سفيراً لنقل الثقافة السعودية لدى الشعب الكوري).
هذا الخبر يومئ إلى رسالة الحاج بعد أن يعود لبلده أياً كان موطنه وجنسيته ومذهبه وعرقه وسنه و...، فقد عاش بيننا أياماً مباركات، وجزماً عرف عنا شيئاً من أشياء جراء الخلطة والاحتكاك، ولا نريد منه أكثر من نقل الحقيقة التي عايشها بنفسه أو شاهدها بأم عينية أو سمعها عن ثقة بأذنيه مشافهة وجهاً لوجه.
إن مصدر ثقافتنا ومنبع حضارتنا ديننا القويم أمرنا بالالتزام بأحسن الأخلاق، وحثنا على كريم الطباع، وأرشدنا إلى حسن التعامل واختيار أطايب الألفاظ معتبراً أن هذا كله ديدن اتباع هذا الدين العظيم مع بني الإنسان قاطبة فضلاً عن أن يكون هذا الإنسان مسلماً وفِي المشعر الحرام متلبساً بنسك الحج ووافداً على الرحيم الرحمن.
إن الثقافة السعودية ترتكز وتقوم على أسس عده أهمها - في نظري -:
- الانفتاح على الثقافات الأخرى انطلاقاً من مبدأ (التعارف العالمي) الذي أمر الله به في مثل قوله عزَّ وجلَّ: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، ولذلك لسنا كما يُقال عنا أننا أصحاب فكر أحادي يرفض الغير، ويدّعي امتلاك الحقيقة المطلقة في أمور الدين والدنيا، ولا أدل على ذلك من وجود أبنائنا وبناتنا في دول العالم أجمع ينهلون علوم الشرق والغرب بكل ثقة واقتدار.
- الاعتراف بكرامة الإنسان أياً كان، فهي منحة من الرب لهذا الجنس منذ الأب الأول وحتى قيام الساعة {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، كرامة له ذكراً كان أم أنثى، حتى ولو كانا على غير ملة الإسلام، كرامة أعطاها إياهما خالقهما عزَّ وجلَّ تقديراً لإنسانيتهما، وضماناً لسلامة وجودهما الوجود اللائق بهما الذي به يستطيعان أن يحققا شرط الاستخلاف لله ويعمرا الأرض عمارة دنيوية كما أراد سبحانه، ولذا فنحن لسنا ممن يحتقر أو يهين ويطغى ويتجبر، إذ كل هذا يتناقض مع (مبدأ الكرامة) هذا الذي هو حق للجميع.
- التعاون مع الكل حين يكون العمل المراد إنجازه من الأعمال التي يصدق عليها لفظة (الخير) في قاموس ديننا الحنيف، وإن أردت الدليل ففتش في تاريخ بلادي وستجد سجلاً حافلاً بالأعمال الخيرية العالمية التي تمتد لكل محتاج وذي عوز أياً كان.
- اتخاذ العدل في القول والعمل منهج حياة سواء على المستوى الشخصي أو الرسمي، الخاص أو العام، فهو الشرط الذي يتحقق مع وجوده الوجود العالمي الفعَّال الذي ندبت له مصادر ثقافتنا السعودية واتخذته هذه البلاد أسلوب حكم وديدن نظام منذ عهد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - وإلى عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسيدي ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله ورعاهما وأدامهما عزاً للإسلام ورفعة للمسلمين.
يا سفراء العالم: قولوا عن بلادنا بإنصاف، تحدثوا عنَّا بحيادية وعدم انحياز، انقلوا ما عايشتموه.. شاهدتموه.. سمعتموه.. بكل أمانة ومصداقية ووضوح دون زيادة أو نقصان.. لا تكونوا أبواقاً للأعداء الذين يتصيّدون علينا الزلة ولو صغرت، ويجعلون من الحبة قبة إن وجدت، وإن أعيتهم الحيل خلقوا حبة وبنوا عليها قبة فصارت مزاراً لكل ناعق يبحث عن مقعد له في الطابور الخامس الذي يعبد المال وينشد الشهرة بأي ثمن.
أتمنى أن ينبري من كل دولة رجل صادق كالحاج (سوهان) فيكون سفيراً لنقل الثقافة السعودية إلى بلده الأم، ولو تبنت وزارة الثقافة هؤلاء السفراء وعقدت لهم ورش عمل وحلقات نقاش للتعريف بثقافتنا الوطنية لكان لهذا الصنيع أثره الإيجابي في إعلام العالم بـ(نحن) في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن أن على الملحقيات الثقافية السعودية وطلابنا المبتعثين هنا وهناك دوراً رئيساً في تجسير الهوة بين ثقافتنا الوطنية والثقافات العالمية الحيَّة - في نظري - ولهذا الموضوع في جزئيته الأخيرة عودة قريبة بإذن الله، وإلى لقاء، والسلام.