رمضان جريدي العنزي
(ملهي الرعيان) عصفور صغير، يحط بالقرب من الرعيان، متظاهرًا بالوقوع على الأرض، يقوم الرعاة عندها بمحاولة الإمساك به، لكنه يحلق من جديد، ثم يتبعه الرعاة من مكان لآخر محاولين اصطياده والظفر به، لكنهم لا يستطيعون، يحاولون مرة تلو الأخرى لكنهم لا يقدرون، يطلق هذا المثل على بعض الحكواتية، وساردي الكلام الممل، من طفيليي المجالس، ومطلقي التصريحات الباهتة، ورواد المناسبات الدائمين من غير فائدة، ولا مردود ثقافي، ولا إضافة معرفة، ولا اكتشاف جديد، يلعبون مع الناس لعبة ملهي الرعيان مع الرعاة، ليس عندهم ما يقدمونة للناس غير القصص والحكايا، والتي ليس لأغلبها أصل ولا فصل، وبعضها يفتقد إلى العقل والحقيقة والمنطق، ومن المدهش أن هؤلاء يطلقون على أنفسهم ألقابًا وصفات لا تنطبق مع معاييرهم الثقافية والتعليمية البتة، وهم ليسوا أكثر من ماكينات (هرج) ليسوا إلا، (مسولفجية) وتجار كلام باهت، يروجون لبضاعة منتهية الصلاحية، لقد تطور حال هؤلاء من المجالس حتى وصلوا منصات التواصل الاجتماعي، التي وجدوا فيها ضالتهم لتسويق سلعهم الواهنة، وبيع الوهم بعبوات مختلفة، وأصناف متفاوتة، تراوح ما بين الأحلام الصغيرة، إلى تلك الأمنيات الكبيرة، معلمون محترفون في تغليف الوهم والبهت، وبيع الكلام المنمق، لقد أهدروا أوقاتهم، وضيعوا أوقات الناس من غير فائدة، ولا مردود إيجابي، ولا تغذية عقل، بل مهدرو وقت، ما عندهم اكتشافات علمية ولا معرفية، ولا يحسنون صنع الحياة النقية، يتبجحون بالكلام، يؤطرونه ويزينونه، وعندهم خيال واسع في سرد الدراما، وتشكيل الصوت، وحركات اليد، والتحكم بتضاريس الوجه، هم أشبه بالثقوب السوداء التي تمتص طاقة جميع الأجرام التي تجدها في مسارها وتكتفي بالسواد، إن أكثر ما يصيب بالغرابة هو إدمانهم لهذا الطرح المفضوح، فأرشيفهم الذي يأخذون منه نفد منذ زمن، إن الصدق والواقعية والالتزام والواقعية المعقولة مطلوبة جدًا لبناء أرشيف إنساني لدى الآخرين، لكن هؤلاء لا يردعهم حياء ولا خجل ولا خشية من أطروحاتهم ونقائضهم البائنة، لقد غنت أم كلثوم (بكم الورد يا معلم) وقد كانت أغنية جميلة ورائقة، لاقت بين جمهورها استحسانًا كبيرًا، لكن هؤلاء استبدلوها بحالتهم المزمنة المزعجة، (بكم الوهم يا معلم؟) كونهم يقتاتون على تجارة واهمة واهنة، يقلبون الكلمات، ويقولون ما لا يفعلون، ويسردون لمجرد السرد، مزايدون، لا يفرقون بين الكوع والبع، والبحر والبحيرة، ولا ما هي أرنبة الأنف، إنهم مجرد صناع للكلام المزيف، والذي لا يغني ولا يسمن من جوع، لا يمنح الرقي، ولا يرسم لحياة هانئة.