محمد آل الشيخ
قراءة تراث الموروث الديني قراءة جديدة وعميقة وعلمية بالشكل والمضمون الذي يجعل كثيرًا مما وصل إلينا غير كتاب الله الكريم والأحاديث المتواترة، محل تمحيص وتحقيق وتدقيق، هو ما نحتاجه اليوم في مواجهة الاتهامات التي تنهال على الإسلام من كل حدب وصوب. فالعقلانية والموضوعية فضلاً عن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، تتطلب منا، وبشكل ملح وعاجل، أن نبادر إلى مثل هذه القراءة، لا سيما أن كثيرًا من تفسيرات بعض الآيات الكريمة، أو الأحاديث النبوية الشريفة، أصبحت تحتاج إلى أن نتعامل معها تعاملاً يتماهى مع العصر وتحدياته واكتشافاته، خاصة ونحن في عصر أصبح العالِم وغير المتعلم بإمكانه أن يحصل على المعلومة بضغطة زر، وبالتالي فإن الحكمة، ومصلحة الدين الشريف (يُحتم) علينا القيام بهذا الدور قبل أن نجد أنفسنا في مأزق عاجزين عن التصدي لما يتعرض إليه الإسلام من اتهامات وتساؤلات ونقد مغرض أو غير مغرض؛ فالإسلام قبل كل شيء ديننا، وفي الوقت نفسه هويتنا، وهذه الهوية تتعرض اليوم لهجمة شرسة ليس لدي أدنى شك أنها ستحقق مبتغاها إن تعاملنا معها بالمكابرة والعناد غير العقلاني. المكابرة والعناد والاستقواء بالسلطة قد تفيد في البداية، إلا أنها قطعًا ستفشل فشلاً ذريعًا في النهاية؛ ولكي نكون واقعيين فهناك كثير ممن يسميها الفقهاء (ثوابت)، ويصرون عليها، ويدافعون عنها، وهي ليست كذلك، لأن أغلبها أقوال واجتهادات بشرية، جرى اعتساف بعض النصوص لتشكل دليلاً على ما يقولون. ولعل كثيرًا من (الإصلاحات) التي قامت بها الحكومة في السنوات الثلاث الأخيرة تعد مؤشرًا على صحة ما أقول.
الأمر الآخر والهام أننا يجب أن نعترف أن كثيرًا، وليس كل، ما كانت تقوم به داعش إبان خلافتها المزعومة، لها أدلة قوية في التراث الموروث، ومن يطلع على أمهات كتب الفقه التي ما زالت معتمدة في محاضننا التعليمية، سيجد ما أقول صحيحًا. خذ جهاد الطلب - مثلاً - ستجد أنه أحد أنواع الجهاد؛ صحيح أن الأئمة اشترطوا من ضمن شروطه إذن ولي الأمر، ولم يتركوه معلقًا، لكن المشكلة العويصة هنا إذا كانت الدولة محل تجاذبات بين قوى تتصارع فيما بينها، وليس لها ولي أمر متفق عليه كما يحصل الآن في ليبيا مثلاً، هنا يتحول جهاد الطلب إلى عمليات (إرهابية) مكتملة الأركان. والأمر نفسه في مسألة السبايا كما فعل الدواعش في النساء الأزيديات، فيجب أن نعترف أن ما مارسه أولئك الإرهابيون القتلة يتماهى مع ما كان يفعله المسلمون الغزاة الأوائل في البلاد التي قاموا بفتحها. ونستطيع إذا سلمت النوايا أن نتخذ من تاريخ الإسلام أسوة لنا، فالأصل في المسائل الدنيوية أنها تتغير مع متغيرات المصالح، فمثلاً علق الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض الحدود مراعاة للمصالح في زمنه، فيجب أن نتأسى به، ونجعل كل تلك الممارسات محرمة في عصرنا لأن ظروف العصر تقتضي ذلك، ولكنني أعي، كما يعي الكثيرون، أن اجتهادا مثل هذا الاجتهاد يحتاج فقهاء جهابذة لا يهتمون بالجماهيرية، قدر اهتمامهم بمصالح الإسلام العليا، وهذا ما نفتقده مع الأسف الشديد في يومنا هذا.
أيها الأكارم: أحكام الإسلام اليوم تتعرض إلى خطر حقيقي، والإلحاد ينتشر بين الشباب، وإذا لم يتصدى الفقهاء بقوة وجرأة لهذه التحديات الحقيقية فإن الإسلام في خطر حقيقي.
إلى اللقاء