فشلت محاولات الباحثين في الطب النفسي؛ منذ فرويد؛ عن تعريف الشخص السوي. والمفهوم المعتمد حتى الآن للسواء؛ هو «الخلو من الأعراض المَرَضيّة»، أي بمعنى أن الإنسان الذي لا يحتاج لعلاج دوائي أو جلسات نفسية هو «سوي». وهذا بالطبع ليس تعريفاً، ولكنه ضروري كمقياس يعتمده الأطباء النفسانيون لممارسة المهنة. والجميل في هذا المقياس أنه يشمل الذكور والإناث والصغار والكبار، أي أنه يشمل الجميع دون تفريق. ولكن هل يصلح تطبيق هذا البديل أو أي بديل آخر على الفرد ككائن اجتماعي؟
إذا وصفنا مثلاً السارق أو القاتل أو المستبد أو الخائن أو التكفيري أو الإرهابي أنه «غير سوي» اجتماعياً، ماذا نسمي مجتمع بكامله يعيش على امتصاص دماء شعوب أخرى؟ .. هل مثل هذا المجتمع كله «غير سوي»؟ وإذا كان مجتمع ما متخلفاً، كما هو الحال مع غالبية شعوب الدول النامية، أي يتعامل مع المرأة مثلاً على أنها أدنى من الرجل، ويضطهد الأطفال بوحشية لمجرد أنهم غير قادرين على حماية أنفسهم، فهل نستطيع القول إن تلك الغالبية من الشعوب «غير سوية»؟
من البديهي أن تصنيف الفرد من أي مجتمع كان، يتم على أساس أدائه لعمله كجزء من منظومة العمل الجماعية العامة، وكذلك على أساس علاقته بأفراد المجتمع الآخرين، وهذا يتطلب من الفرد الالتزام بالنُظُمْ القانونية والأخلاقية لمجتمعه. ولذلك يقال إن الحرية هي: - وعي الضرورة، أي أن حريتك لا تمنحك الحق بأن تسرق أو تقتل كيفما اشتهيت، إنما أن تتمسك بحقك في الحياة الكريمة، دون الاعتداء على حق الآخر في تلك الحياة أيضاً.
قد يناكفني أحد ما ويقول: - إنني أرى مجتمعي متخلفاً عن الركب العالمي، والعرف الاجتماعي الاجتماعي الموجود، لا يتوافق مع «رؤيتي المتقدمة» للحياة، ولذلك «من حقي» ألا ألتزم بالنُظم الأخلاقية القائمة!.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن الفرد من أي مجتمع كان؛ هو حصيلة ذلك المجتمع. وإذا وفر له مجتمعه فرص التعلم وبلوغ مستويات عليا، فمن حق مجتمعه عليه؛ أن يستخدم ملكاته لتطوير المجتمع وليس تدميره. ومن حق كل فرد أن يرفض النُظُم البالية في مجتمعه، ولكن ليس من حقه «مسك السلم بالعرض» وسحق كل ما لا يتوافق مع «رؤيته» تلك، كما فعل «الدون كيشوت» في الرواية المشهورة. وما يسري على الأفراد؛ يسري على المجتمعات أيضاً!. فلا يحق لأي مجتمع؛ مهما بلغت درجة تطوره؛ فرض وصايته على المجتمعات الأخرى. فيوجد قوانين عامة وشرائع تاريخية ومسلمات أخلاقية، تنظم العلاقات بين الدول والمجتمعات. وفي ظل البحر المتلاطم من الإرهاب والحروب العبثية والذبح على الهوية والتشويه المنظم للحقيقة، هل تستطيع عزيزي القارئ أن تساعدني؛ في إيجاد مضمون؛ ولو بسيط؛ لمعنى «السواء الاجتماعي»؟.
** **
- د. عادل العلي