عرض وتحليل - حمد حميد الرشيدي:
(يوريميا) هي أحدث مجموعة قصصية صادرة للكاتب والقاص والروائي السعودي المعروف, الأستاذ / عبد الله الوصالي عن (النادي الأدبي بالرياض) للعام الحالي 2019م.
ويعتمد الوصالي في مجموعته هذه الموجودة بين أيدينا الآن على لغة الاختزال والتكثيف, وعلى إشباع المشهد السردي بالرمزية , بما يتوافق مع الشخصيات وأدوارها التي تمارسها , ومواقفها التي تتعرض لها.
لكن أبرز ما يسيطر على المناخ العام لقصص المجموعة هو (ثيمة المرض والمفارقة) التي تتماهى مع انسيابية الحدث القصصي, بشكل غير مباشر, بحيث ليس من السهل على القارئ ملاحظتها أحيانا, إلا أن يركز ذهنه أثناء القراءة لالتقاط مثل هذه المفارقات من بين السطور.
أما فيما يخص (ثيمة المرض) فهي واضحة , ولن يجد القارئ كثير عناء لملاحظتها مباشرة , وتتمثل لنا هذه الثيمة في غالبية قصص المجموعة , ابتداء من مسماها (يوريميا) وهو اسم لمرض ينتج عن (الفشل الكلوي) بسبب زيادة نسبة البول في الدم , لدى المريض المصاب بهذا المرض, ومرورا ببعض القصص الأخرى التي ضمتها المجموعة, والتي تفوح منها رائحة المرض والموت في المستشفيات, مثل : قصة (المعادلة ) ص25, وقصة (استقلال) صفحة رقم 49, وقصة (وصية) صفحة رقم 55, وغيرها.
ولأتجاوز (ثيمة المرض ) هنا بالحديث, لوضوحها , مركزا على (المفارقات) المرتكزة على (الرمزية) إلى حد كبير.
وكنموذج لذلك قصة (امتزاج) في الصفحة رقم 79 , التي تصور لنا شخصية أحد الأطباء في أحد المستشفيات, وهو يشاهد جثة أحد المرضى , بعد أن فارقت روحه الحياة, وبعد أن حاول الأطباء المباشرون لحالته إنقاذه دون جدوى!
وفي الوقت ذاته, وفي مقابل هذا المنظر المؤثر الذي اقشعر له بدن الطبيب, يتم استدعاؤه من قبل إحدى الممرضات العاملات بقسم الطوارئ, لمباشرة حالة ولادة لامرأة تعاني آلام المخاض, فيسرع نحوها بعد أن يرتدي معطفه ليباشر حالتها التي انتهت بولادة طفل, خرج إلى الحياة وهو يصرخ بين كفيه.
وفي هذه القصة (مفارقة) عقدها الكاتب بين الموت والحياة في آن واحد, بين جثة فارقتها الروح, تصيب من يراها بالكآبة والنكد, وبين حياة جديدة لمولود قادم للحياة للتو, تشعر من يراه بالسعادة والتفاؤل بالمستقبل!
وكمثال آخر على (المفارقة) تلك القصة المعنونة بـ (الفتى مطر جالب الخبز). ففي هذه القصة يتطرق الكاتب لحكاية الفتى (مطر) وتلك الفتاة التي أحبها, واسمها (سحاب). وللقارئ حين يدقق في هذا النص أن يلاحظ وجود علاقة توافق بين كلمات ثلاث, هي : مطر وسحاب وخبز, والتي تقابل معانيها الإجمالية (الحياة) إذ لا مطر بلا سحاب, ولا خبز بلا ماء, على اعتبار أن (الخبز) في أصله عبارة عن (حَبّ) تم حصده من نباته , أو استخراجه من سنابله , تم طحنه وعجنه , ومن ثم وضعه في الفرن أو (التنور) ليكون خبزا في نهاية الأمر.
لكن جمال (المفارقة) هنا في هذا النص يكمن في نهاية قصة (الفتى مطر) الذي كان يوزع الخبز الحار يومياً لدى إخراجه من (التنور) مباشرة, ومنذ ساعات الصباح الأولى على بعض سكان الحي , الذي يعيش فيه, خاصة حين يضعه في أو يلفه بكيس كي لا يبرد عند عتبة باب منزل (سحاب) ثم ينصرف بعد ذلك مباشرة, بحيث لا تتمكن (سحاب) من رؤيته , أو الالتقاء به عند العتبة , على الرغم من اشتياقها لهذا اللقاء.
وفي نهاية القصة يختفي (الفتى مطر) فجأة لأسباب مجهولة, وتفتقد وجوده (سحاب) وكثير من سكان الحي, الذين اعتادوا على جلبه الخبز إليهم عند عتبات أبوابهم بشكل يومي, مما جعل إحدى النساء الكبيرات في السن من أهل الحي توعز لما يسمى عندهم بـ (المُطرّب) وهو الشخص المعني بالطواف بين الناس والإعلان بصوته عن المفقودين للبحث عن مطر.
وهنا يعلن المطرب أثناء طوافه بين أرجاء الحي: « من لقي الضالة. جزاه الله خيرا. من رأى صبيا اسمه مطرفي عمر الزهور, يقرض الشعر دون شعور, من صباح الأمس غاب, لم يعد بعد أن ترك أرغفة ساخنة عند عتبات الدور, الصبي يأكل الطعام, ويمشي في الأسواق, علامته الفارقة أثر حرق في كفه اليسرى من فقاعة خبز التنور».
وأقول... إن المفارقة هنا تعكس ما آل إليه حال أهل الحي حين افتقدوا (الفتى مطر جالب الخبز) مما يعني مفارقة عنوان هذه القصة لمحصلتها النهائية, المتمثلة لنا في غياب (مطر) الذي يعني أن وجوده ضروري جدا لحياة سكان الحي, إذ لا حياة بلا خبز, أو لا حياة بلا (مطر)!