م. خالد إبراهيم الحجي
إن سوق النقد الدولي أو سوق العملات العالمية الفوركس هو السوق الذي يُحدَّد فيه أسعار صرف العملات الأجنبية. ويعمل على مدار (24) ساعة لمدة خمسة أيام في الأسبوع، باستثناء يوم الكرسمس ويوم رأس السنة الجديدة. ولا يوجد موقع مركزي لسوق الفوركس لكنه عبارة عن منصات إلكترونية يتم إقامتها على شبكة الإنترنت من قبل الهيئات والمؤسسات المالية العملاقة والبنوك العالمية. والعملات الصعبة العالمية هي الأساسية في سوق الفوركس وهي: الدولار الأمريكي، واليورو الأوروبي، والجنيه الاسترليني، والين الياباني، والفرنك السويسري، والدولار الكندي، والدولار الإسترالي، وتظهر في سوق الفوركس على هيئة عملات مزدوجه متناظرة مثل (اليورو الأوروبي - الدولار الأمريكي) وباقي العملات الأجنبية توصف بالعملات الثانوية، وهي تؤثر في بعضها بعضا؛ فحركة إحدى هذه العملات الأساسية تؤثر في الأخرى المناظرة لها؛ فارتفاع قيمة إحداهما يعني انخفاض قيمة الأخرى، وحركتهما معًا تؤثران في حركات صرف العملات الصعبة الأساسية الأخرى والثانوية، وهناك العديد من العوامل التي تسهم في حدوث تغيير في أسعار صرفها وأهمها الأمثلة التالية:
(1) السياسات المالية الحكومية مثل: ترشيد الإنفاق الحكومي، وتطبيق إجراءات التقشف القاسية في عام 2010م في أوروبا التي طالت إسبانيا والبرتغال وكانت أشدها قسوة في اليونان.
(2) قيام البنوك المركزية بتغيير نسبة الفائدة؛ وبشكل عام تزيد أسعار الفائدة المرتفعة من قيمة عملة الدولة ويزيد الطلب عليها. وعلى العكس، تميل أسعار الفائدة المنخفضة إلى أن تكون غير جذابة للاستثمار الأجنبي وتقلل من القيمة النسبية للعملة.
(3) المستقبل الاقتصادي المجهول، مثل: مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البركست) الذي لم يحسم بعد، وجعل العملة المزدوجه المتناظرة (اليورو- الجنيه الإسترليني) هي الأشد تذبذبًا بين العملات الأساسية في الوقت الحاضر.
(4) عمليات الاستيراد والتصدير التي تلعب دورًا جوهريًا على نطاق واسع في عملية العرض والطلب في سوق الفوركس؛ فمثلاً: تعاقد شركة أوساكا اليابانية للبتروكيماويات لشراء وشحن احتياجها من المشتقات النفطية من مصانع شركة سابك السعودية ثاني أكبر شركة بتروكيماويات في العالم بالدولار الأمريكي إلى مستودعات الشركة في اليابان، سيتطلب منها تحويل الين الياباني إلى الدولار الأمريكي حسب سعر الصرف الحالي في سوق الفوركس لسداد قيمة البضاعة لشركة سابك السعودية.
وسوق الفوركس هو الأكبر والأكثر سيولة في العالم، حيث تبلغ قيمة النقد فيه نحو (5) تريليونات دولار كل يوم. وقد شكل ميدانًا متاحًا في متناول الجميع للمتاجرة والتداول في العملات الأجنبية المختلفة. ويتم ذلك عن طريق فتح حسابات للتداول على المنصات الإلكترونية التي توفرها شركات الوساطة والسمسرة والبنوك على الإنترنت، ليودع فيها المستثمرون مبالغ نقدية لشراء أو بيع أو تبادل العملات المزدوجة المتناظرة. والتداول في سوق الفوركس مترابط البيع والشراء؛ فشراء إحداهما يترتب عليه بيع نظيرتها الأخرى، والعكس صحيح بيع إحداهما يعني شراء نظيرتها الأخرى.. والمؤسسات المالية العملاقة والبنوك العالمية التي لديها احتياجات من العملات الصعبة المختلفة تتكهن وتتوقع تحركات وتقلبات السوق؛ فتقوم بتوجيه حركات معينة من العملات المزدوجة المتناطرة في التوقيت المناسب من خلال وضع طلبات الشراء وأوامر البيع لكميات ضخمة على منصات التداول، للتفاعل مع طلبات العملات الأخرى من أطراف أخرى من التجار المستثمرين الذين يقومون بالمتاجرة والتداول في العملات الأساسية الصعبة باستخدام خاصية الهامش (الرافعة المالية)، ويعني التداول بأكثر من المبلغ المودع في حساب المتداول بنسبة محددة سلفًا، والنسبة الشائعة هي (100:1)؛ أي إيداع المستثمر لمبلغ ألف دولار في حسابه على منصة التداول تمكنه من التداول بمبلغ مائة ألف دولار، وبعض شركات الوساطة والسمسرة تلبي رغبات بعض المتداولين المغامرين، فيرفعون لهم النسبة لتكون (400:1) مقابل دفع تكاليف إضافية لزيادة الهامش؛ أي أن إيداع المتداول لألف دولار تُمكنه من التداول بمبلغ أربعمائة ألف دولار. وللهامش فوائد ومخاطر على حدٍ سواء؛ لأنه يُمكِّن المودع من التداول بأكثر بكثير مما يمتلك من النقد، بسبب تضخيم المبلغ المقابل له في التداول فيصل إلى مائة ضعف وتزيد إلى أربعمائة ضعف؛ ويصبح أي تحرك طفيف في سعر الصرف العالمي يؤثر فيه بشكل كبير؛ فيمكن أن يحقق أرباحًا عالية في حالة التحرك في نفس اتجاه طلبات الشراء وأوامر البيع، ويمكن أن يتسبب في خسائر فادحة جدًا في حالة التحرك في عكس الاتجاه.. ومن الناحية الفنية يعد سوق الفوركس في الواقع لعبة صفرية من الطراز الأول؛ أي أن الميزان المحاسبي النهائي (مدين - دائن) متعادل؛ لأن أي مكاسب يحققها متداول واحد تساوي خسائر المتداولين الآخرين.. وتفيد الإحصاءات المالية أن الذين يبحون من المتداولين في سوق الفوركس تقدر نسبتهم بنحو (10) في المائة والباقي (90) في المائة يخسرون أموالهم وثرواتهم.
الخلاصة:
إن شركات الوساطة والبنوك المحلية التي تصمم منصاتها الإلكترونية للمتاجرة والتداول في العملات الأجنبية يجب عليها أن تبتعد عن الطمع وأن تترك الجشع وأن تعمل على تنمية ثروات العملاء.