د. أحمد الفراج
نواصل رحلتنا مع أفضل عشرة رؤساء في التاريخ الأمريكي، وقد كتبت عن ثمانية، واشنطن ولينكولن وآل روزفلت، فرانكلين وثيودور، واندرو جاكسون وجون كينيدي وويدرو ويلسون وتوماس جيفرسون، وأكرر هنا أن هذا التصنيف تم حسب آراء المؤرخين والاستطلاعات الشعبية، وتاسع العشرة هو الجنرال، ديويت ايزنهاور، خريج أكاديمية ويست بوينت العريقة، وهو جنرال بخمس نجوم، وهي رتبة لم تعد موجودة في الجيش الأمريكي، وتأتي شهرته من كونه قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، الذي خطّط وقاد عملية دخول شمال إفريقيا (عملية التورش)، وعملية نورماندي الشهيرة، وهو ينتمي لأسرة متوسطة، وشق طريقه بنجاح، وبعد الحرب العالمية، وعودته جنرالاً منتصرًا، تم تعيينه حاكمًا عسكريًا للمنطقة الخاضعة للنفوذ الأمريكي في ألمانيا، ثم قائدًا عامًا لقوات الحلفاء في أوروبا، ثم عمل مديرًا لجامعة كولومبيا العريقة، ثم استغل شهرته وشعبيته كبطل قومي، فترشح لانتخابات الرئاسة لعام 1952، وفاز بها بفارق مريح، ثم أعيد انتخابه في عام 1956، وكانت مسيرته الرئاسية ناجحة داخليًا وخارجيًا.
كان ايزنهاور مناهضًا للمكارثية، وهي الحركة التي تزعمها السيناتور جوزيف مكارثي لمناهضة الشيوعية، إذ أن مكارثي ذهب بعيدًا في ذلك، وأحدث رعبًا لدى الشعب الأمريكي، كما كان مناهضًا لسياسة الفصل العنصري، خصوصًا في الجيش، وعندما حاول أحد الجنرالات إقناعه بعدم فرض سياسة الدمج في ثكنات الجيش، رد الجنرال غاضبًا: «لن أسمح بأن يكون في أمريكا مواطن من الدرجة الثانية»، ولهذا السبب اضطر الرئيس الجنرال لإرسال وحدة من الجيش لفرض دخول الطلاب السود بالقوة لإحدى مدارس البيض في ولاية اركانساس، ومن أهم إنجازاته كان نظام الطرق السريعة (انترستيتس)، والتوسع في دراسة العلوم، وقد شهدت فترة رئاسته ازدهارًا اقتصاديًا مشهودًا، فمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت من أفضل المراحل التاريخية للأمة الأمريكية، أما خارجيًا، فقد كان له دور جوهري في ترتيب عالم ما بعد الحرب، وكادت المناوشات بين أمريكا والصين أن تصل لاستخدام السلاح النووي، كما أنه هو من أعطى الأوامر للمخابرات المركزية (CIA) لقلب نظام مصدق في إيران لصالح الشاه، وهو الذي أمر أطراف الإعتداء الثلاثي على مصر، بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، بالانسحاب (أزمة السويس عام 1956)، وقد كان له ما أراد، وتعهد من خلال «معاهدة ايزنهاور» بحماية دول الشرق الأوسط الصديقة لأمريكا من الزحف الشيوعي، وفي عهده تم دخول ولايتين جديدتين للاتحاد الأمريكي، هما ولاية هاواي وولاية ألاسكا، والخلاصة هي أن هذا الجنرال، الذي خاض غمار السياسة من أوسع أبوابها، نجح نجاحًا باهرًا، وسجل اسمه في صفحات التاريخ كواحد من أفضل عشرة رؤساء عبر التاريخ الأمريكي.