د. خيرية السقاف
كبرت «المدن» الصغيرة سريعاً..
كبرت واتسعت، كبرت وزهت، نضرت، وازدهت..
الفرق بين المُدن حين تكبر والإنسان، أنها تزداد شباباً، وفتوة، وقدرة، واحتواءً، وقدرات، وإمكانات..
تتسع، تستوعب، تحتمل، تعطي، لا تشيخ، ولا تعجز..
الإنسان وحده حين يكبر تتسع مداركه، وتمتلئ حجرات باطنه..
وحين يغدو كثيف الظلال، ثري الجِنان، متين الجذر، وسيع الرؤية، تضيق به السعة، ويخور به الجذع، وتتقلّص فيه القوة، يشيب، ويعجز..
المدينة حين تكبر، تنضج، تمتد، وتلد،
تتفرّع، وتزيد، تبقى لا تنتهي..
تسجّل خطوات الإنسان، تخزن صوته، ودعسته، وصداه، وبصمته،
همسته التي انطلقت، وصوته الذي ارتفع، وممشاه الذي خطاه، وفعله الذي أدَّاه،،
المدينة هي المعادل للإنسان،
وحين يموت، تحيا به هي..
إذ هي حين يخور تكون قد اشتدت عزائمها،
وحين يمتح آخر قطرة من ماء عينيه ليسقيها، تكون هي قد أبصرت بنورهما،
وارتوت من نبع نورهما..
«المدن» التي ندب فوقها الآن كبرت، اتسعت..
غدت مُدُناً في كل مدينة، منجماً للعمل، راية للنجاح، والأمل..
ما أجمل الذي يمنحه الإنسان للتراب ليُبنى،
وللبناء ليشيد،
وللجمال ليكون صوت الذي سيبقى من الإنسان..
مدننا الآن تكبر، تتسع، وتحمل أقدامنا..