م. بدر بن ناصر الحمدان
باتت كرة القدم في المملكة العربية السعودية تشبه إلى حد كبير ما يحدث في موطنها على ملاعب أوروبا أو على أرض أمريكا الجنوبية، فالصخب والهوس الجماهيري والإعلامي والجنون الكروي ما هو إلا نسخة مطوّرة من هذه الملاعب وبيئة كرة القدم الحقيقية، وهذا بلا شك على مستوى «الأنشطة الحضرية» يعتبر أمراً إيجابياً أن تصل بنشاط معين ليصبح «غذاء شعبي» يهتم به السواد الأعظم من سكان المدن من أجل تحفيز مظاهر الحياة بداخلها.
السعودية اليوم تمتلك الدوري «الأقوى عربياً» من حيث السمعة والملاعب والحضور الجماهيري ونظام الاحتراف والنقل التلفزيوني والميزانيات المعتمدة للنشاط الكروي، وهذا حتماً لم يأت من فراغ بل من دعم كبير تلقته الرياضة السعودية وحظي به الرياضيون السعوديون من القيادة الرشيدة، ومن الواجب حماية هذه المكتسبات الوطنية من أية مظاهر قد تقوم بتشويهها أو العبث بها عناصر غير مسؤولة سواء من المحسوبين على الإعلام الرياضي أو من بعض مسؤولي الأندية أنفسهم أو ممن يقتاتون على ذلك، فالكلمة «أمانة» أياً كان موضعها.
كما أن التعصب الرياضي أو «الجاهلية الرياضية» كما أراها، باتت ظاهرة خطيرة جداً تنامت في المجتمع الرياضي السعودي بشكل لافت خلال العشر سنوات الماضية خاصة مع توفر شبكات التواصل الاجتماعي التي ساهمت في تفشي أساليبها وتطبيقاتها وتغلغلها في أفراد المجتمع وتجاوزها للمحيط الرياضي إلى «دائرة الأخلاقيات» لدى شريحة كبيرة من الأطفال واليافعين والشباب والتأثير عليهم سلباً من خلال إثارة مفتعلة من قبل بعض المنتفعين الذين يهدفون إلى حشد أكبر عدد من المتابعين على حساب كثير من القيم والمبادئ التي بذلت وتبذل الأسرة والمدرسة والمجتمع جهود سنوات لبنائها وتقويمها، ويأتي هؤلاء لهدمها أمام أعينهم.
مكافحة هذه «الجاهلية الرياضية» وإيقاف المد الإعلامي الذي يقوم بتغذيتها لن تثمر مالم تكن هناك حلول «عملية» تحفيزية ومبتكرة - غير تقليدية - من خلال أنظمة ورقابة صارمة، يتزامن معها إطلاق «تظاهرة رياضية» يشارك في تنظيمها الجميع على منصة المشهد الرياضي العام، وتغطيتها إعلامياً بشكل «احترافي» يحقق أهدافها التوعوية لتكون بديلاً متداولا من أجل تغذية العقل البشري المتابع وتهيئته للتعامل مع ما يشاهده من أحداث بشكل متزن ومنظم.
«ديربي القيم والأخلاق»، مقترح أسوقه إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة، لتبني الهيئة صناعة حدث رياضي «مختلف»، يدعى له رئيس «الفيفا»، والإعلام الدولي، بحيث يجمع «فريق موحد» في مواجهة بين الهلال والنصر في الرياض، وأخرى بين الاتحاد والأهلي في جدة، يكون في كل فريق 50 % من لاعبي النادي المنافس (يمثل نادي الهلال مثلاً خمسة لاعبين من النصر ويرتدون شعار الهلال ومثله بالمقابل في نادي النصر، وهكذا...)، وبمشاركة اللاعبين القدماء ممن كان لهم تاريخ كروي على مستوى الأندية أو المنتخب الوطني.
يقام كل ديربي في توقيت مختلف، وبمصاحبة بعض الفعاليات «الموجهة»، يشارك فيها مسؤولو هذه الأندية والإعلاميون بشكل «موحد»، وجمهور «موحد» وشعارات «موحدة» لأنصار الفريقين، من أجل بناء رسالة «موحدة» ، مفادها أن كرة القدم رياضة «تسامح» و«مُثل» و«مبادئ».
بيئتنا الرياضية ما زالت تفتقد لهذا النوع من الأحداث ذات الأبعاد المعنوية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، على غرار ما يحدث في كثير من الملاعب العالمية وبشكل دوري، هذا التنظيم لن يكلف هيئة الرياضة ريالاً واحداً، فثمة شركات دولية محترفة يمكن أن «تستثمر» في مثل هذا الحدث السعودي الذي سيشكل حتماً سبقاً رياضياً «مبتكراً».