د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
أُطلق على اليمن وصف اليمن السعيد، مع أنه لم يكن سعيدًا يومًا ما في تاريخه. نعم حبا الله اليمن بكل شيء تقريبًا: جو رائع، أراضٍ خصبة، شواطئ ممتدة.. لكنه ومن عهد الملكة سباء، للغزو الفارسي ثم الحبشي، لعهد الإمامة وعهد الثورات الدموية المتتابعة، لم يعرف اليمن سعادة أو استقرارًا. الثابت عن اليمن في التاريخ هو أنه مستنقع جاذب للحروب. حروب سببها اليمنيون أنفسهم. تدخلت دولٌ كثيرة في اليمن بهدف إحلال السلام فيه وتحسين أوضاعه، وخرجت منه بسبب تقلُّب الولاءات، وانعدام الروح الوطنية فيه. القبيلة هي الوطن، والوطن هو قبيلة القبائل في اليمن.
وليس أخبر من المملكة العربية السعودية بتاريخ اليمن. ونظر الشعب اليمني طيلة تاريخه للمملكة كشقيقة كبرى، ومصدرًا للرزق والحماية؛ فقد كان العرب في الجزيرة يرحلون لليمن في رحلة الصيف، وللشام في رحلة الشتاء. وجزءٌ كبير من مكوِّن الشعب السعودي اليوم له جذور في اليمن، وأكبر نسبة من العمالة المقيمة في المملكة عمالة يمنية؛ إذ يتجاوز عدد العاملين الشرعيين اليوم مليونَي نسمة، ويُضاف لهم نصف عددهم تقريبًا من دون الحصول على إقامة نظامية. ورغم ذلك يتجاهل بعض اليمنيين هذه الحقائق، بل إن بعضهم يتهم السعودية بأن لها مصالح في اليمن!! والحقيقة ألا مصلحة للسعودية في اليمن إلا استقراره وكف أذاه.
وفي المقابل، وهذه - للأسف - حقيقة مؤلمة، هناك نسبة لا بأس بها من اليمنيين اليوم يتحالفون مع إيران. يتحالفون مع إيران ليس ضد السعودية (الشقيقة الكبرى) فقط، بل ضد كل الدول العربية. والأخطر من ذلك أن يتآمروا مع إيران ضد اليمن ذاته. فالدول العربية والخليجية قدَّمت لليمن المدارس والمستشفيات والمساعدات المالية والاقتصادية، وإيران قدمت له الطائفية والجهل وإخراج أبنائه من المدارس للزج بهم في الحروب. شجَّعت الدول الخليجية زراعة القهوة والمحاصيل الزراعية الأخرى للقضاء على القات، فأتت إيران بطغمة، تسعى لتجهيل وتخدير اليمنيين، وحوّلت المجتمع اليمني لجلسات قات.
اليمن مستنقع متضارب من المصالح القبلية، قبائل تعتبر الحرب والقتل والانتقام شريعة وحيدة للوجود، وكل رؤساء اليمن ورؤساء حكوماته المتتابعة: السلال، الأرياني، الحمدي، وصالح.. وغيرهم، الذين حاولوا احتواء القبلية، قضت عليهم القبلية. وهذا يعني أن اليمن لم يشهد في تاريخه استقرارًا ولا شرعية في ظل تحكم القبلية. ومثلث القبلية والقات والسلاح مثلث خطير، يعكس الحقيقة التاريخية لليمن.
اليمن أيضًا به أكبر نسبة لامتلاك الأفراد للسلاح، وبه أكبر سوق سوداء للسلاح. هو البلد الوحيد في العالم الذي يملك الأفراد فيه مدافع هاون، وقنابل من مختلف الأنواع والأحجام، بل مضادات للطائرات والدبابات. تخيل أن فردًا غير عسكري يملك مضادًّا للطائرات فوق سطح بيته.. واعرف فورًا أنك في اليمن. هذه الأسلحة أيضًا تُباع علنًا في الأسواق. فأي استقرار ينشد هذا البلد إذا كانت معيشته مركّبة بهذا الشكل: القات والسلاح. وهذا - للأسف - ما قدمته إيران لهم.
إذا أراد اليمنيون البحث عن لقمة العيش الشريفة، أو الابتعاد عن مستنقعات السلاح، والقبلية، والقات.. اتجهوا لشقيقتهم الكبرى السعودية وتذكروها؛ فالأشقاء اليمنيون في المملكة هم الفئة الناجية حاليًا من مستنقع الصراع العبثي هناك. وربما هم حبل وريد الاقتصاد اليمني اليوم. وفي يوم ما من التاريخ القريب كان هناك يمنان، اتحدا في عام 1990م لإيقاف الحروب المتتابعة بينهما، ولكن القبلية والفئوية والمصالح الخاصة والفساد حولتها «للاستيحاد»، أو استحواذ وليس وحدة. واليوم يلوح الانقسام مرة أخرى في أفق اليمن الذي يئن تحت الصراع والحرب. والمضحك المبكي أن إيران المحرك الأكبر للحرب في اليمن، ومصدر دماره، تطالب بالحفاظ على وحدته، وتدعم سرًّا تمزيقه.
اليمن اليوم مستنقع من السياسات والولاءات المختلفة. ولولا الشقيقة الكبرى لانتهى اليمن بسبب الجوع، وليس الحرب فقط. وهذا أمر يجهله معظم خواجات الأمم المتحدة اليوم ممن يجهلون طبيعة وتاريخ اليمن، ولا يفرّقون بين العربي والفارسي، ويرون أن لإيران الحقوق ذاتها للعرب في التدخُّل في اليمن. يتجاهلون الأيديولوجية العنصرية المتخلفة لعصابات الحوثي في حكم اليمن، ودعم إيران لكل ما هو متخلف في هذه البلاد وغيرها بالعتاد والسلاح فقط.
ومستقبل اليمن في حقيقته مرتبط بادراك اليمنيين أنفسهم حقيقة خرافة الإمامة وانتماء الحوثي وربيبته إيران لآل البيت. ولو بُعث أحد من آل البيت اليوم لبادر بإعلان البراءة منهم براءة الذئب من دم يوسف.