د. أحمد الفراج
نختم سلسلة أفضل عشرة رؤساء في التاريخ الأمريكي بالرئيس المحظوظ، الذي أصبح رئيسا بصدفة عجيبة، أي الرئيس هاري ترومان (1945- 1953)، الذي لم يكن ليصبح رئيساً، لولا الحظ الجميل، فقد كان عضواً في مجلس الشيوخ، وعندما ترشح الرئيس الشهير فرانكلين روزفلت للفترة الرابعة، في عام 1944، أي في أوج الحرب العالمية الثانية، كان نائبه، هنري والاس، له شعبية جارفة، ولكن بعض مستشاري روزفلت، ومعهم بعض الأسماء الكبيرة في الحزب الديمقراطي، اعتقدوا أنه كان يسارياً أكثر من اللازم، وأنه يتوجب على روزفلت استبداله، وقد اقتنع روزفلت بوجهة نظرهم وأزاح نائبه والاس، ثم اختار السيناتور، هاري ترومان، ليكون نائباً له، وقد فاز روزفلت، وأصبح ترومان نائباً للرئيس.
لم يكن روزفلت، المريض المُقعد، مقتنعاً بترومان، ولذا لم يكن يستشيره، وبعد مضي عدة أشهر، مات روزفلت، وأصبح ترومان هو الرئيس، حسب الدستور الأمريكي، وكان ذلك تحديا كبيرًا لترومان، فقد كانت أمريكا تمر بواحدة من أحلك فتراتها، إلا أنه كان على قدر التحدي، ولذا تم انتخابه رئيساً مرة أخرى، في انتخابات عام 1948، وقد اتخذ ترومان قرارات كبرى، سجلها له التاريخ، فهو الذي أعطى الأوامر بضرب اليابان بالسلاح الذري، وهو الأمر الذي أنهى الحرب الكونية الثانية بانتصار الحلفاء، وأعطى أمريكا موقعها كقوة عالمية كبرى، فقد كانت أمريكا قبل الحرب منعزلة عن العالم، ثم واصل ترومان إنجازاته داخلياً وخارجياً، وشهدت فترته بداية الازدهار الاقتصادي، الذي أعقب مرحلة الكساد الكبير والحرب، كما أنه هو الذي أعطى الأوامر بدخول الحرب الكورية، وغني عن القول إنه كان عسكرياً سابقاً، خاض غمار الحرب العالمية الأولى.
كان الحلفاء قد قرّروا غزو اليابان، القوة العظمى حينها، ولكن الرئيس ترومان قرَّر استخدام السلاح الذري، وكانت حجته أن ذلك سينهي الحرب بشكل أسرع، وسيمنع مقتل الكثير من الناس، ولم يكن ترومان بطلاً قومياً لدى كل شرائح الشعب الأمريكي، فقد كان هناك من اعتقد أن ضحايا السلاح النووي كانوا أكثر من ضحايا الغزو الذي لم يحدث، وترومان هو الزعيم الوحيد في التاريخ الإنساني، الذي استخدم هذا السلاح الفتّاك، وعلاوة على حسم ترومان للحرب الكونية، فقد كان هو من نفذ خطة مارشال، لبناء اقتصاد أوروبا الغربية بعد دمار الحرب، وهو وراء تأسيس حلف الناتو، وليست هذه فقط إنجازاته، فقد قرَّر إنهاء سياسة الفصل العنصري في الجيش الأمريكي، وهي خطوة جبارة، كما كان أحد مؤسسي الأمم المتحدة، وكان من أوائل من اعترف بدولة إسرائيل عند تأسيسها، والخلاصة، هي أنه لو لم يُصِّر أقطاب الحزب الديمقراطي على الرئيس روزفلت لتغيير نائبه، لما وصل ترومان لمنصب نائب الرئيس، ولو لم يتوف روزفلت، لما أصبح ترومان رئيساً، ومع ذلك، فقد كانت له إنجازات كبرى، جعلت المؤرِّخين يصفونه بأنه «زعيم عظيم»، ويصنفونه كواحد من أفضل عشرة رؤساء عبر التاريخ الأمريكي!