حوار - عيسى الحكمي:
تعجز الكلمات عن تقديم الدكتور صالح بن ناصر وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب سابقًا (الهيئة العامة للرياضة حاليًا)؛ فمنذ اللحظة الأولى التي حصلت فيها على موافقته على عمل هذا الحوار وأنا أعلم يقينًا أن أسئلتي من أي اتجاه ستكون أمام موسوعة وجامعة من المعلومات والفكر، وأمام كاتب التاريخ، كيف لا والدكتور صالح من شهود العصر على منعطفات وتحولات محورية في العمل الرياضي السعودي؛ فهو العضيد والسند لعراب الرياضة السعودية الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله -، وهو الشاهد الأول على انضمام اللجنة الأولمبية السعودية إلى الأسرة الدولية، وعراب الاحتراف، والرجل الذي حمل على أكتافه كتلة من المسؤوليات والمناصب حتى بعد التقاعد؛ فهو لا يزال نائبًا لرئيس الاتحاد الدولي للكرة الطائرة، ورئيس الاتحاد القاري في اللعبة.
الواقع والبدايات
* بداية، حدثنا عن الدكتور صالح بعد التقاعد.
- ما زلت أقوم بمسؤولياتي الرياضية بوصفي نائبًا لرئيس الاتحاد الدولي للكرة الطائرة، ورئيسًا للاتحاد الآسيوي. أتابع شؤوني الخاصة، وأستمتع بحياتي، وبنجاحات أبنائي، وفخور بما قدمتُ لوطني الغالي، وفخور بكل شباب الوطن.
* وماذا عن الرحلة الرائعة لك في ميدان العمل الرياضي؟
- الحمد لله، بعد 57 سنة من خدمة الوطن في هذا المجال الحيوي متنقلاً بين أكثر من موقع، بما فيها العمل مستشارًا للأمير فيصل بن فهد - رحمه الله -، بدأ ارتباطي بالعمل الرياضي منذ تخرجي من القاهرة عن طريق وكالة رعاية الشباب التي كانت تحت إدارة الشؤون الاجتماعية. وما زلت أحمل بفخر أننا 7 أشخاص (ثلاثة سعوديين وخبيران من سوريا ومستخدمان) استطعنا المساهمة لتصل الرياضة حينها لأبعادها.
* إذًا كانت رعاية الشباب تحت مظلة وزارة العمل والخدمة الاجتماعية.
- نعم، وكانت مرتبطة بوزير العمل الشيخ عبد الرحمن أبا الخيل، وهو شخصية متميزة لدرجة حرصه على ابتعاث كل جامعي؛ لينال الماجستير والدكتوراه. أيضًا لا يمكن في هذا المجال إلا أن أذكر الدور الكبير للأمير خالد الفيصل في وضع اللبنة الأساسية للرياضة السعودية ودورات الخليج.
* ما هي المنجزات التي تحققت بفريق عمل لا يتجاوز 7 أشخاص؟
- بفضل الله عملنا أشياء مهمة، في مقدمتها الحصول على عضوية اللجنة الأولمبية الدولية، ووضعنا اللوائح. وأتذكر أن هذا السؤال كان يطرحه عليّ الأمير فيصل.
* كيف كانت بداية علاقتك بالأمير فيصل بن فهد؟
- منذ كنت أدرس الدكتوراه في أمريكا أُبلغت بسؤاله عني، وعندما عدت تكرر السؤال، والتقيته؛ لتبدأ الرحلة بداية من وجودي في وزارة الإعلام. وفي 1967 صدر قرار ملكي بنقلي لرعاية الشباب وكيلاً لسموه.
* صف لنا كيف حصلنا على عضوية اللجنة الأولمبية الدولية؟
- كان ذلك في عام 1964. كنا تحت مظلة الشؤون الاجتماعية، وحصلنا على العضوية الأولمبية في اجتماع طوكيو؛ إذ كانت الدورة الأولمبية هناك. ذهبنا بتوجيه ملكي أنا والزميل عبدالله كعكي - رحمه الله - ومعنا خبير. وفي الاجتماع الذي حضره 58 دولة حصلت قصة؛ إذ اعترضت أمريكا وجنوب إفريقيا بحجة عدم وجود رياضة نسائية في المملكة، لكنني طلبت coffee breake، واستطعت بعد مساعدة معلوماتية من مندوبي مصر والمغرب تقديم ما يثبت وجود 16 دولة عضوة لا تطبق الرياضة النسائية؛ وحصلنا على العضوية.
* إذًا العضوية الأولمبية حصلنا عليها قبل تولي الأمير فيصل قيادة رعاية الشباب؟
- صحيح، كانت رعاية الشباب حينها تحت مظلة الشؤون الاجتماعية.
المجدد منح الفرصة
* بعد هذه السنوات كيف تشاهد واقعنا الرياضي؟
- في الحقيقة أنا متفائل في ظل الدعم الذي تجده الرياضة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عبد العزيز وسمو ولي عهده «المجدد» الأمير محمد بن سلمان. وأقول لزملائي في الميدان: هذه فرصة كبيرة؛ فلا تفوتوها.
في الماضي الأمير فيصل جعل للرياضة السعودية سمعة ومكانة عالمية وقارية، وبنى جسرًا من العلاقات، وكان له مكانة تُكسر لها البروتوكولات؛ لأنه شخصية تعمل لخدمة الرياضة السعودية والعالمية، والآن الفرصة تتجدد أمام الشباب ليعبروا بنا إلى مكانة أكبر.
* بين المرحلتين فجوة؛ فأنتم لم تعدوا البديل في المناصب الدولية والقارية؛ فأصبحنا غائبين عن صناعة القرار، لماذا حدث هذا؟
- كان البديل معدًّا لكن جاءت أفكار أخرى، وكانوا مطمئنين لدرجة أن أحدهم قال لي لم تتركوا لنا شيئًا، فقلت له اجتهدوا واعملوا أشياء جديدة.. نحن اجتهدنا، وأنتجنا للشباب شيئًا، والدور عليكم لترجمة أفكاركم.
كيف يرى الاحتراف؟
* أنت عراب الاحتراف، هل تضعنا في الصورة عن هذه المرحلة؟
- الاحتراف وُلد في منزل الأمير فيصل بن فهد عندما أقام مأدبة عشاء للسيد هافيلانج رئيس الفيفا، وكان حينها بلاتر أمينًا عامًّا للاتحاد الدولي، فسأل الأمير فيصل هافيلانج: ماذا نعمل لتطوير منتخبنا بعد الإنجازات القارية؟ فرد هافيلانج «بالاحتراف»؛ فرشحني الأمير فيصل ومعي المرحوم عبد الفتاح ناظر، وطلب من رئيس الفيفا تسهيل الأمر لنا؛ لنبدأ الخطوات، فوافق هافيلانج؛ وكلف بلاتر بترتيب المهمة. وأتذكر أن بلاتر قال لي: الأسبوع القادم تكونون عندنا. زرنا أهم خمسة اتحادات متقدمة. أيضًا الأمير فيصل طلب أن يكون معنا المرحوم عبدالله الدبل فوافق الاتحاد الدولي لكن بصورة ودية بحكم منصب الدبل في اللجنة التنفيذية.
* كيف أسستم هذه المرحلة؟
- أحضرنا اللوائح الدولية، ودرسناها بعناية، وكان أهم اجتماع أقررنا فيه مسودة اللائحة بمكتب الأمير فيصل في مقر رعاية الشباب بشارع الجامعة بحضور سموه وأنا وعبد الفتاح. بدأنا الساعة الـ11 صباحًان وانتهينا فجر اليوم الثاني عند الرابعة.
وأذكر أن الأمير فيصل قال لنا: «ابعثوا المسودة للأندية بخطاب مني قبل الاجتماع بأكثر من 10 أيام، وشددوا على قراءتها، وكونوا جاهزين؛ قد تجدون اعتراضات».
* واقع الاحتراف الآن هل هو ما عملتم عليه؟
- (بادر بالرد متسائلاً): وهل الاحتراف موجود الآن؟ لا أرى احترافًا!!
* لماذا؟
- الاحتراف عمل وتطبيق. الالتزام فيه من الجهتين (الأندية واللاعب). اللاعب يجب أن يستشعر عندما يكون محترفًا أن له مكانة أكبر بتمثيل المنتخب. أتذكر في مونديال 1994، وبعد عامين من تطبيق الاحتراف، أحدث المنتخب صيتًا، وكنا نمتلك لاعبين رائعين.
* القوانين الدولية محدودة التغيير، فماذا حدث الآن؟
- أظنها اجتهادات؛ لأن المواد الأساسية ثابتة، والتغيير طفيف منذ أُسس الاحتراف عام 1850 في إنجلترا التي أمضينا فيها 7 أيام، وعدنا منها بحقائب مملوءة بمواد تشبه رسائل الدكتوراه.
*ما تحفظاتك على الاحتراف الحالي؟
- أنا أبدي رأي الشخصي، سواء قُبل أو لم يُقبل، لكن أعتقد أن الاحتراف الحالي لا يتفق مع بناء منتخب به محترفون في ظل تطبيق مشروع 8 أو 7 أجانب؛ لأن فرصة اللاعب السعودي مختزلة في 3 و4 خانات.
* أين يكمن الخلل برأيك؟
- توقعت هذا السؤال، لكن حقيقة لا أدري. فوجئت في العام الماضي بتغيير مجلس الاتحاد أكثر من 4 مرات، لكنني لا أتدخل، وأكتفي بملاحظاتي لكبار المسؤولين، ولا أعلم صداها، ولا أريد أن (يزعل) مني أحد.
* وصلنا للقمة الكروية في عهد الأمير فيصل، وثبتنا، ثم حدث التراجع مع فترة الانتخابات، هل تتفق معي بهذا التشخيص؟
- فعلاً، وصلنا للقمة الكروية، وحافظنا عليها فترة جيدة، لكن الآخرين تطوروا، وبعض المنتخبين كانوا جيدين.. لكن بشكل عام لا أعلم السبب. والآن لا أعرف مَن هم أعضاء الاتحاد، ولا ما هي خبراتهم ولا تجاربهم.. لكن أتمنى منهم استغلال الفرصة التي صنعتها الحكومة لهم، وأيضًا الاستفادة من دعم الأمير عبد العزيز الفيصل رئيس الهيئة العامة للرياضة الذي التقيته ووجدته طامحًا لبناء مرحلة رائعة.
إستراتيجية تتفق مع 2030
* حظيت الأندية الرياضية بدعم بلغ 2.5 مليار ريال، منها 480 مليون ريال للألعاب المختلفة، هل الفرصة وُلدت لإنعاش هذه الألعاب؟
- هذا دليل واقعي، وترجمة لاهتمام خادم الحرمين وولي عهده بالرياضة وأهميتها في بناء المجتمع. وهذه الاستراتيجية تتناغم بشكل صريح مع رؤية 2030 وأهدافها. الألعاب المختلفة كانت بلا ميزانيات، والآن الدعم واضح؛ ومن المهم توجيهه بطريقة صحيحة. لدينا ألعاب متميزة ورياضة نسائية، وبالإمكان بناء أبطال أولمبيين. أرجو أيضًا الاهتمام بالرياضة المدرسية، وجعلها منهجًا لإعداد الأبطال في سن مبكرة؛ ليكونوا جاهزين للدورات الأولمبية مثلما شاهدت بعيني في بعض الدول كالصين.
* إذًا أنت تتفق مع تطوير منظومة الحوكمة في إدارات الأندية؟
-بالتأكيد أتفق، يجب أن تذهب أموال البلد في الاتجاه الذي يعود بالنفع والسمعة والنتائج. عندما أقرأ خسارة ناد 5 ملايين أتألم. يجب أن يعرف السبب.. والحوكمة ستوقف الهدر المالي؟ أيضًا من الأشياء المضرة برياضتنا توقيع عقود عالية مع لاعبين لا يزالون في البدايات.
الإعلام إلى أين؟
* إعلاميًّا، هل لا يزال الإعلام الرياضي شريكًا للرياضة السعودية؟
- في الحقيقة لي كثير من التحفظ. لا يوجد اهتمام إعلامي بالرياضة كلها. الاهتمام بكرة القدم وبلاعبين معينين، لدرجة أن البعض يوصل لاعبه لقمة الأمجاد. نتفق على مكانة كرة القدم، لكننا نتمنى من البرامج اليومية الموضوعية في ندواتها، وعدم الانحياز أو مصادرة آراء الآخرين.
* ما رأيك بالنقاشات في شريط الماضي، سواء على مستوى تصنيف البطولات أو الألقاب؟
- خطيرة جدًّا؛ لأنها تخلق مشاكل مع الناس المستهدفين، وحتى على الموجودين عندما يفكرون بمصيرهم في المستقبل. في الحلقات اليومية تشعر بأن كل واحد يتحدث عن نادٍ معين. أتمنى الحياد، والناس سيحترمون الحقيقة.
* في ختام هذا الحديث ما هي رسالة الدكتور صالح بن ناصر للأسرة الرياضية؟
- أقول اعملوا واجتهدوا واستغلوا الدعم الكبير الذي تجده الرياضة من المجدد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ فهذه فرصة جديدة وطموحة؛ لتصل الرياضة السعودية إلى مكانة غير مسبوقة. أيضًا طوِّروا الرياضة المدرسية لبناء الأبطال، واهتموا بالمنتخب ومعسكراته.. طبِّقوا الاحتراف الدولي، وتعلموا من التجارب.