محمد سليمان العنقري
يسيطر الخوف على المستثمرين والأسواق المالية العالمية عمومًا من احتمال انزلاق الاقتصاد العالمي نحو الركود بعد البيانات السلبية الصادرة من الصين وألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول الناشئة تحديدًا، إضافة إلى توقعات بأن يدخل الاقتصاد الأمريكي في غضون عامين قادمين على أبعد تقدير بركود؛ وذلك بسبب عوامل عدة، أهمها استمرار الحرب التجارية بين أمريكا والصين التي بدأت تنتقل آثارها لدول كبرى اقتصاديًّا.. إلا أن السؤال الأهم يبقى: ما أثر ذلك على اقتصادنا الوطني؟
قد يكون الجواب متشعبًا وواسعًا في تفاصيله، لكن من المؤكد أن المملكة كونها جزءًا من الاقتصاد العالمي، واحدًا من أكبر مزودي الطاقة بالعالم، فهناك تأثير بالتأكيد. فنظريًّا سيكون هناك توقع لتراجع الطلب على النفط؛ وهو ما يعني احتمال وقوع الأسعار تحت الضغط؛ وهو ما يؤثر في الإيرادات من النفط ومشتقاته، لكن بخلاف ذلك هناك قراءة مختلفة لما يتعلق بمعدل نمو الاقتصاد الوطني المحتمل بالقطاع غير النفطي الذي قد يحافظ على نمو جيد لاعتبارات عديدة، منها تنفيذ برامج رؤية 2030م والمشاريع المرتبطة بها؛ وهو ما سيدعم نمو العديد من القطاعات المحلية، سواء المالية، أو الخدمية، أو التشييد ومواد البناء.. فالقدرة على التمويل اللازم لهذه المشاريع متوافرة، وبأساليب عديدة. كما أن معدل الدين العام منخفض، ويصل إلى 21 % من الناتج المحلي، وهو من أقل المعدلات بين دول مجموعة العشرين. ومع الاتجاه لخفض أسعار الفائدة فإن الاستمرار ببرامج الاقتراض الموجهة للإنفاق الاستثماري سيكون مجديًا؛ لأنها بتكلفة منخفضة، وخصوصًا أن التصنيف الائتماني للمملكة مرتفع، وبمستويات استثمارية آمنة، مع نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد.
أما الاحتياطيات الأجنبية للسعودية فهي تكفي لتغطية الواردات لنحو «4 سنوات»، وهو أعلى من المعدل العالمي بثمانية أضعاف الذي يقف عند (ستة أشهر)، وهو ما يضمن قدرة الاقتصاد على تلبية الاحتياجات الأساسية التي يتم استيرادها لتغطية الطلب بالاقتصاد والمجتمع عمومًا للسلع والخدمات، إضافة للقدرة العالية على حماية سعر الصرف للريال من تقلبات العملات عالميًّا مع سياسة الربط مع الدولار الأمريكي. كما أن النظام المالي للمملكة قوي بشهادة كل بيوت التصنيف العالمية، ومحصن ضد الصدمات. وقد قامت مؤسسة النقد العربي السعودي مؤخرًا بعمل استباقي بإخضاع البنوك كافة العاملة بالمملكة لاختبارات تحمُّل وفق ثلاثة سيناريوهات (ضعيف ومتوسط وقوي) من حيث حجم التأثير لأي أزمة عالمية اقتصاديًّا أو ماليًّا، وكانت النتائج في السيناريوهات الثلاثة ممتازة، وتعكس متانة القطاع المصرفي وملاءته المالية العالية، وهو إجراء مهم ويحسب للمؤسسة قيامها به مبكرًا قبل حدوث أي أزمة مالية أو اقتصادية عالمية بهدف الاطمئنان على سلامة النظام المالي المحلي.
مما لا شك فيه أننا كجزء من العالم، واقتصادنا يتداخل معه بأكثر من جانب، سيكون هناك آثار من أي ركود تمامًا، كما نستفيد من معدلات نمو الاقتصاد العالمي الإيجابية، لكن مع عوامل القوة والتحصين والتحوط التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني فإن الآثار ستكون محدودة، بل من الممكن أن تتحقق بعض المنافع من خلال جذب الاستثمارات لقطاعات رئيسية بالاقتصاد العالمي، كالاستثمار بالتعدين والطاقة بالمملكة، إضافة للخدمات اللوجستية؛ فالأموال عالميًّا ستبحث عن الفرص الواعدة وليس فقط الملاذات الآمنة؛ فالركود لو حدث لن يطول، وسيعقبه عودة للنمو عالميًّا.