رمضان جريدي العنزي
يعيش بين الناس بوجهين، عندهم وبينهم بوجه، ومن خلفهم بوجه آخر، لديه خبث مستعر في أعماقه، لا تهنأ له حياته إلا بالنميمة والهمز واللمز، واصطناع الموبقات من الكذب، لديه أقنعة متنوّعة وملوّنة، يجيد لبسها حسب الحاجة والمبتغى والطلب، حسود مثل - النار تأكل نفسها أن لم تجد ما تأكله - ما عنده نفع للناس مطلقًا، سوى اختلاق القصص الواهنة، والتعرّض للأعراض، ونشر أسرار الناس، والنبش في دفاترهم العتيقة، ونهش لحومهم، حساباته خاطئة، وعيناه عمياوان عن رؤية الحقائق، وعقله معطّل عن إدراك الواقع، متناه بالسذاجة، وغارق لحد ذقنه بالخطايا والأخطاء، انتهازي وأجوف، ولسانه مثل البوق القديم مزعج وبه صدأ، ساخط على الناس يبدي بين الناس كل أسرار الناس، عنده جرأة في قول الكذب، وتزوير الحقائق، ويملك مهارة فائقة في إظهار البهت ونشره، عنده ألاعيب وحيل وطرق ملتوية، - حلو نابه وقلبه أسود من الصاج - (هراج قفا)، و(شذاب عرقوب)، و(يحب اللجاجة) جذره متقعر في البذاءة، وسرد الموبقات، في أعماقه خنادق من الغل والحقد والحسد، ولديه بضاعة فاسدة من الكلام، يتمادى في غيه، بعيد عن رحاب المروءة والعدل والإنصاف، يملك سعاراً محموماً إلى اجتراح الأكاذيب، وعنده ألوان كثيفة من البهتان، دون الإحساس بوخيم العواقب، لا يعتبر، ولا يتوقع بأنه سوف يشرب من كأس السم ذاته، عنده تكلّس شديد، ويمقت أن يتغيّر، أو يتبدّل، غاية في البلادة، وبعيد عن فهم العلاقات الإنسانية النبيلة ومتطلباتها الجميلة، يسعى بشكل حثيث نحو منعطفات البغض، ومدارات السواد، يهمس في أذن هذا، ويغمز لذاك، يدنس الأعراض، ويرسم لها درامات مخيفة، وروايات كاذبة، ويغرِّد خارج السرب، إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت، يجيد تسلّق الأكتاف، واستغلال المواقع، فليعلم صاحب الوجهين بأن سقفه مهما علا فلا يوجد ضمانة لديمومته، بل هو عرضة للاهتزاز والوقوع وافتضاح الأمر، لأن السعي المحموم بين الناس همزًا ولمزًا وكذبًا، بمثابة جبل الجليد لا بد أن ينهار سريعاً ساعة أن تظهر عليه الشمس وتتجلّى، طال الزمن عليه أم قصر، والعاقبة للصادقين المتقين، العفيفين النبلاء، الذين يحيون بسلام، ويرحلون بسلام.