د. أحمد الفراج
تحدثت في مقالات ماضية عن أفضل عشرة رؤساء في التاريخ الأمريكي، حسب معيارين: أولهما هو آراء المؤرخين والمختصين في العلوم السياسية، وثانيهما هي الاستطلاعات الشعبية، وهناك رؤساء تم تصنيفهم من ضمن العشرة الأفضل، ولكن حسب معيار الاستطلاعات الشعبية فقط، دون أن يحظوا بذات التصنيف من المؤرخين، ومما لا شك فيه أن تصنيف المؤرخين هو الأهم والأكثر مصداقية، اذ إن الاستطلاعات الشعبية تخضع لعوامل غير علمية، مثل الإيدولوجيا والانطباع الشخصي، وبالتالي تعتبر رأيا شخصيا، أكثر منه رأيا علميا خاضعا للمعايير الأكاديمية الرصينة.
يعتبر الرئيس بيل كلينتون من أهم من تم تصنيفهم عاليا حسب معيار الاستطلاعات الشعبية، وكلينتون ولد في أسرة متوسطة الحال، في ولاية اركانساس الجنوبية الفقيرة، في مدينة هوب، أي «الأمل»، وقد مات والده قبل ولادته، ثم تزوجت أمه من رجل مدمن للكحول ويسيء معاملتها، ولم يؤثر ذلك على الشاب الطموح والذكي، فقد استطاع أن يشق طريقه للنجاح بسرعة صاروخية، فبعد أن تخرج في جامعات مرموقة، ضمنها جامعة ييل الشهيرة، عمل أستاذا للقانون، ثم خاض غمار السياسة، واستطاع أن يفوز بمنصب وزير العدل في ولاية اركنساس، ثم بعد ذلك فاز بمنصب حاكم الولاية، وهو في عمر 32 عاما فقط، كأصغر حاكم في أمريكا.
يؤكد بيل كلينتون دوما أن هناك حَدَثين، كان لهما دور كبير في عشقه لعالم السياسة، أولهما أنه تمكن من لقاء الرئيس الشهير، جون كينيدي، في البيت الأبيض، ضمن وفد من الشباب، وهو في عمر 16 فقط، وثانيهما كانت خطبة داعية الحقوق المدنية الشهير، مارتن لوثر كنج، وهي الخطبة التاريخية التي كان عنوانها «لديّ حلم»، وأذكر بهذا الخصوص أنني أثناء دراستي في امريكا، شاهدت شخصا يلقي كلمة على قناة تلفزيونية امريكية مغمورة، وكان ذلك في عام 1988، أي في أواخر عهد الرئيس رونالد ريجان، فانجذبت إلى حديثه، وأطربتني لكنته الجنوبية الخفيفة والجميلة، فقد كان شابا يتّقد حماسا، وكان حديثه سلسا ومقنعا، علاوة على جاذبيته الشخصية (الكاريزما)، ولم يكن ذلك الشخص سوى بيل كلينتون، الذي لم أكن أعرفه حينها، وكذا كثيرين غيري، فقد كان حاكما لولاية صغيرة في عمق الجنوب الأمريكي، وقد تنبأت حينها، بمستقبل سياسي مبهر لذلك الشاب، ولا زال زملائي الحاضرين معي في ذلك اليوم يذكرون ذلك، ويُذكّرونني به، وسيتواصل الحديث.