نيويورك - واس:
أكدت المملكة العربية السعودية التزامها بمبادئ القانون الدولي، ودعمها كل ما يمكن أن يساعد على استتباب الأمن والاستقرار والسلم لدول المنطقة.
جاء ذلك في كلمة المملكة التي ألقاها معالي المندوب الدائم لوفد المملكة لدى الأمم المتحدة السفير عبدالله بن يحيى المعلمي أمام مجلس الأمن في جلسة بعنوان (صون السلم والأمن والدوليين: التحديات التي تعترض تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط).
وأعرب المعلمي في مستهل كلمته عن تهنئته لبولندا على رئاستها مجلس الأمن هذا الشهر، وشكره للمبادرة القيمة بعقد هذه الجلسة، وعلى المذكرة المفاهيمية التي أعدها وفد بولندا حول موضوع الجلسة.
وقال معاليه: «تتساءل الورقة عن الأسباب الجذرية للصراعات في الشرق الأوسط. ويجادل البعض بأن لهذه الصراعات جذورًا عرقية ودينية، تمتد لمئات السنين وآلافها. وحقيقة الأمر أن هذا الادعاء بعيد عن الصحة، خاصة فيما يتعلق بالكيانَين الأساسيَّين المسؤولَين عن تعريض الأمن والسلم في المنطقة للخطر، وهما إسرائيل وإيران».
وتابع معاليه: «الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لم يكن يومًا ما صراعًا ذا جذور عرقية أو دينية؛ فلقد عاش العرب المسلمون مع مواطنيهم اليهود والمسيحيين في أمن وسلام طوال عمر الحكم العربي الإسلامي في فلسطين، ولم يتغير حال هذا التعايش إلا بعد أن بدأت الحركة الصهيونية - وهي حركة عنصرية استعمارية - في الاستيلاء على الأراضي والمنازل في فلسطين مع مطلع القرن العشرين، ثم قامت عصابات الصهيونية مثل الأرجون وغيرها بعمليات تطهير عرقي، استهدفت الفلسطينيين، وحوّلتهم إلى لاجئين، وحرمتهم من حقهم في الحياة، وحقهم في الكرامة وفي تقرير المصير».
وأكد معالي السفير المعلمي أنه ليس بين الفلسطينيين واليهود في فلسطين ثارات تاريخية، بل هي مسألة مبادئ أساسية، أقرها القانون الدولي، وأقرتها قرارات الأمم المتحدة، بدءًا من قرار التقسيم الجائر رقم 181 الذي شدد على ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وانتهاء بالقرارات 242 و338 و497 و672 و694 و1860 و2334 التي شددت على قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.
كما أشار معاليه إلى أنه من جهة أخرى يتحدث البعض عن صراع تاريخي، عمره مئات السنين، بين الشيعة والسنة، ويعتبرون الخلاف مع إيران تجسيدًا لهذا الصراع. مؤكدًا أن لا شيء في الواقع أبعد عن الحقيقة من مثل هذه الادعاءات؛ فمع أن المذهب الشيعي قد نشأ في بعض المناطق العربية قبل نحو ألف ومائتي عام إلا أنه لم ينتشر في إيران إلا في القرن السادس عشر على أيدي حكام الدولة الصفوية، الذين نجحوا في تشييع غالبية إيران، ولكنهم لم ينجحوا في نشر المذهب الشيعي خارجها؛ ولذلك فإن الحديث عن صراع مذهبي تاريخي يكتنف المنطقة بأسرها منذ ألف عام أو يزيد هو ببساطة ضرب من الخيال؛ فالشيعة في الوطن العربي عاشوا وتعايشوا مع أشقائهم من أبناء المذاهب السنية المختلفة بأمن وسلام وتعاون. والخلاف مع إيران لم يظهر إلا بعد الثورة الإيرانية التي اعتنقت المذهب الشيعي، وأولته الصدارة بل حتى الحصرية في بعض المجالات، ولم تكتفِ الثورة الإيرانية بذلك، بل إنها دعت إلى تصدير الثورة إلى العالم الإسلامي؛ إذ ينص الدستور الإيراني على ما يلي: «يمهد الدستور الطريق لمواصلة هذه الثورة في الداخل والخارج».
وأكد معالي المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة أن الاعتراف والإقرار بهذه الحقائق التاريخية هو نقطة الانطلاق نحو تحقيق الأمن والسلم الدوليَّين في الشرق الأوسط؛ إذ ينبغي الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة. كما يجب الإقرار برفض العنف والاحتلال وتشريد الأسرى وتدمير المنازل، والالتزام بحق كل دول المنطقة في العيش بسلام وأمان بعيدًا عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وبعيدًا عن تصدير الثورة عبر المليشيات والأتباع مثل الحوثيين وحزب الله، وتحريضهم على أبناء أوطانهم.
ودعا معاليه مجلس الأمن إلى أن يعيد التشديد بكل الوسائل على المبادئ الأساسية في العلاقات الدولية، وأن يرفض الاحتلال والعنف والاضطهاد والتحريض وإثارة الفتن التي تمارسها كل من إسرائيل وإيران، وتثير بها القلاقل في الشرق الأوسط.
ولفت السفير المعلمي الانتباه إلى أن الإقرار بهذه المبادئ الأساسية سيمكّن المنطقة من العمل على تسخير طاقاتها البشرية والفكرية وثرواتها الطبيعية نحو التعاون والتنمية، ومحاربة الإرهاب، ومعالجة الأسباب المساعدة على انتشاره، مثل الاحتلال الأجنبي والتهميش والظلم الاجتماعي والتفرقة العرقية والطائفية بين أبناء الوطن الواحد. وأكد معاليه أن المملكة تعمل دائمًا على تشجيع التنمية في المنطقة إيمانًا منها بأن التنمية الشاملة في الشرق الأوسط هي السبيل نحو استقرار المنطقة، والقضاء على الإرهاب، وتخفيف حدة النزاعات.
وأضاف: «إن المملكة تسعى دائمًا إلى مد يد التعاون والالتزام بالحوار سبيلاً إلى حل المشكلات بالطرق السلمية إلا أنها في الوقت نفسه تشدد على أن دعوات الحوار ينبغي أن تكون منسجمة مع وقف التهديدات والتدخل في الشؤون الداخلية والأعمال العدائية، مثل الاعتداء على البعثات الدبلوماسية، ومحاولات اغتيال الدبلوماسيين، والهجمات السيبرانية على البنى التحتية، والحملات الدعائية، وتأجيج الفتن والطائفية، ودعم المليشيات والتنظيمات الإرهابية ورعايتها». مشيرًا إلى أنه بدون وقف عملي لهذه الممارسات فإن أي دعوة للحوار لا تعدو كونها مجرد ذر للرماد في العيون، وأداة لتحقيق أهداف التوسع والهيمنة.