محمد آل الشيخ
العرب من المحيط إلى الخليج مجتمعات مشبعة بالتعصب الطائفي أو العرقي أو بهما معاً حتى النخاع، سواء الشيعة منهم أو أهل السنة والجماعة. ولا يمكن لك أن تبني نظاما ديمقراطيا تعدديا حرا يؤمن بحرية الآخر في اختيار المذهب الذي يراه الأصح في هذه المجتمعات، والتي يؤسفني أن أقول إنها متخلفة. الديمقراطية تقوم وتتمأسس على قاعدة محورية لا يجوز مخالفتها تقول: (الدين لله والوطن للجميع)، ومتى اختل شرط الضرورة هذا سواء لدى الناخب أو من ينتخبون، تصبح الديمقراطية قنبلة موقوتة، تبحث عن أي صاعق ولو كان سخيفا لتنفجر، وتحول الوطن، أي وطن إلى الحرب الأهلية، التي قد تستمر مشتعلة عقودا، وآثارها وتبعاتها أيضا قد تمتد عقودا إضافية.
رجل الدين العراقي (يوسف الناصري) ذو نزعة طائفية خالصة وهذا الرجل أتى لمنصبه من خلال الصناديق الانتخابية أي بالطريقة الديمقراطية، لكنه كأي متعصب طائفي آخر، سواء كان شيعياً أو سنياً، يرى أن المواطن العراقي هو (أولاً) شيعي المذهب، وأن خير من يؤتمن على الوطن هم حصرا الشيعة الذين يشكلون الحشد الشعبي، لذلك دعا وعلى رؤوس الأشهاد أن يتم (تسريح) أفراد الجيش العراقي، ويتم استبداله بالحشد الشعبي. أي أنه سيقوم بتحويل العراق إلى دولة دينية شيعية لا تمت للمدنية بصلة، ثم يتم فرز مواطنيها إلى أولا شيعة، تُسند إليهم مهمة الدفاع عن العراق، وفي الدرجة الثانية السنة والطوائف الأخرى، الذين يعتبرون في هذه الحالة مواطنين من الدرجة الثانية. مثل هذا (التبجح) الطائفي، الذي يمس المؤسسة العسكرية الأولى في العراق، بهذه الوقاحة منقطعة النظير، لا يمكن أن يقدم عليها إلا (رجل دين)، تحميه العمامة المقدسة من مجرد المساءلة ناهيك عن المحاكمة. وليس لدي أدنى شك أن رجل الدين هذا يحظى بحماية إيرانية، بل ربما أنها هي من دفعته إلى هذا التصريح ليكون بمثابة بلون اختبار تستطيع من خلاله أن تعرف مدى قبول الشارع العراقي للسير شيئا فشيئا على منوال الدستور الإيراني، الذي هو بكل المقاييس يؤسس (دولة دينية) محضة.
الأمر الذي يهمني في ما تقدم هو مدى صلاحية الديمقراطية بمعناها الصحيح، وليس كما (فبركها) المتأسلمون في أن تكون أداة حكم في المجتمعات العربية، التي تعتبر (المذهب) من أولى أولويات هويتها، بل وتجعله قبل المواطنة.
الديمقراطية - ياسادة - هي من أفضل الحلول التي ابتكرها الإنسان على هذا الكوكب، لكن هذا (الحل) ليعطي ثماره، ويحقق المناط به، يجب أن يكون (الفرد) نفسه له خصائص وقيم وثقافة من شأنها إنجاح التجربة الديمقراطية، وأولى هذه الخصائص أن يكون الأفراد نساء ورجالاً متساوون في الحقوق والواجبات، لا يفرقهم مذهب ولا قبيلة ولا منطقة ولا أصل ولا فصل، وإذا افتقد المجتمع، أي مجتمع هذه الخصائص فإن الحل الديمقراطي سيأتي بأشكال مثل (يوسف الناصري) ومن هم على شاكلته.
إلى اللقاء