سلمان بن محمد العُمري
الإنسان بطبيعته وفطرته السليمة يميل إلى الحسن، وينأى بنفسه عن القبيح، ويتمسّك بالطباع المستحسنة، ويتجنّب الصفات المذمّة، والدين والعقل والفطرة السّويّة كلها تحب الجمال والكمال والأفضل من الطباع، والصفات والأخلاق الفاضلة والأفعال الحميدة.
ولقد وصف الله تعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأنه على خلق عظيم، وهذه الأمة أمة قيادة ورسالة ودعوة، وممّا بعث إليها رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام أنّه جاء ليتمّم مكارم الأخلاق، وكانت جميع أحكام الله تعالى وشريعته تغرس الفضائل في النفوس وتربّي المجتمعات على الأخلاق، وتسعى لبيان كيان قائم على العفة والخير والقيم وأرقى درجات الأخلاق ومراتب الصلاح الديني والدنيوي، فالإسلام جاء منهج هداية للبشرية في تصحيح عقائدها وتهذيب نفوسها وتقويم أخلاقها وإصلاح مجتمعاتها ونشر الخير والفضيلة بين أفرادها، ومحاربة الشر وإقصاءه عن بيئاتها، وكانت مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومعالي القيم وفضائل الشيم وكريم الصفات والسجايا من أسمى ما دعا إليه الإسلام.
وسمو الأمم ورقيّها وبقاء الحضارات وامتدادها مرتبط بحسن أخلاق أبنائها، ومعقود بكرم آداب أتباعها، وللأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة أثراً واضحاً في انتشار الحب والود في المجتمع، وتأليف قلوب الأمة، وهي لا تتحقّق بمجرّد الأمنيات والكلمات إنما هي أفعال تطابق الأقوال وهو عند الصالحين في المجتمعات التزام وعقيدة يظهر أثره على الوجدان والحس ويحمل النفس على التحلي بأنبل الصفات وأروع القيم، وجميل السّمات، ويسعى المرء جاهداً بإزالة المذموم من الطباع عن شخصه ويسمو بذاته من الحقير من صفاته حتى ينال شرف الخلق الحسن.
والخلق الكريم والأدب العظيم لا يرتبط بالإنسان وشخصه فقط بل مرتبط بجميع من حولنا من أهل وزملاء وسائر المجتمع الذي نشترك فيه، وكل قول أو عمل لا يخصّنا بمفردنا بل يتعدّى كل من يرانا أو يسمعنا أو يقرأ لنا، ولذا كان لا بد من احترام المجتمع، واحترام الذوق العام، وفيه احترام الفرد لنفسه ولأسرته ولمجتمعه احتراماً شاملاً، فالإنسان لا يعيش منفرداً ولا يحيا منعزلاً فهو يشارك أهله ويخالط جيرانه، ويعامل زملاءه ومن حق الجميع أن يعاملوا بما يليق من الاحترام والتقدير فهو وهم جزء لا يتجزّأ من المجتمع الذي يعيشون فيه، ولا بد من تعزيز أواصر الترابط والتراحم والاحترام، ولا يعفى منها فرد، وإذا كانت هذه الأمور مطلب إنساني عند الجميع فإن الإسلام حثّ عليها ورغب فيها، وبيّن ما فيها من الأجور العظيمة، والدرجات الرفيعة، وأول المعروف كفّ الأذى عن الناس ثم يأتي الفضل ببذل المعروف والخير، والإسلام كما هو معلوم دين المدنية الصحيحة الراقية يحترم الآخرين، ويقدر مشاعر الناس، ولا يقبل التدخل في شؤونهم وخصوصياتهم، ولا انتهاكها أو التعدي عليها، ولذا كان من آداب الإسلام وحقوق الإنسان الأولية آداب الاستئذان وغيرها من الآداب الشاملة.
وقد استبشر الجميع بموافقة المقام السامي على لائحة الذوق العام التي صدرت -مؤخراً- والتي ستطبّق على مرتادي الأماكن العامة وما أقرته من فرض عقوبات على من ينتهكون القيم والأخلاق العامة، ويتسببون في الأضرار بمرتادي هذه الأماكن ومضاعفة العقوبة عند تكرارها، ومن ضمن بنود هذه اللائحة اللباس غير المحتشم والكتابة على الجدران ووضع الملصقات، وحمل وارتداء صور غير لائقة على الملابس، وهذه اللوائح والعقوبات التي سيتم فرضها مع الموافقة الكريمة على نظام لائحة الذوق العام تتطلب أن نعزز القيم ومكارم الأخلاق ومحاسن الآداب بعمل برامج تثقيفية وتوعوية، وترسيخ مكارم الأخلاق كمطلب شرعي ووطني بدءًا من البيت والمدرسة وسائر القطاعات التربوية والإعلامية وغيرها، وأن يوضع استراتيجيات من لدن خبراء مختصين لإعداد هذه البرامج، وبكل تأكيد فإن الأخلاق الفاضلة والقيم لا تؤسس في المجتمعات البشرية بالتعاليم المجردة ولا بالأنظمة والقوانين والعقوبات بل لا بد من الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة، وقد كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أسوة وقدوة بأخلاقه وأدبه مع الناس، وهو المثل الأعلى في الأخلاق التي يدعو إليها والآداب التي يحث عليها.