د. عبدالحق عزوزي
أدى حجاج بيت الله الحرام مناسكهم لهاته السنة في أجواء إيمانية وروحانية لا يمكنها أن توصف وتمكنوا من أداء هذا الركن الخامس من أركان الإسلام بكل يسر وسهولة وأمان وسط منظومة متكاملة من الخدمات مبتهلين لله عز وجل على ما أنعم به عليهم من تيسير لأداء مناسكهم وراجين رحمته ومغفرته. وقد عاين الجميع الخطط الأمنية والوقائية، والتنظيمية، والخدمية، والمرورية متكاملة الإعداد والتنفيذ مما مكن ضيوف الرحمن من تأدية حجهم بكل يسر وسهولة وأمن وأمان، وفي أجواء مفعمة بالإيمان والتقوى والإيمان، وقد وفرت للحجيج، كما عايناه نحن ضيوف وزارة الإعلام، الذي أجاد مسؤولوها في إعطاء صورة حضارية ومشرقة لتنظيم الحج لهاته السنة، كل التسهيلات والخدمات، والرعاية الشاملة في مختلف الجوانب التي يحتاجها الحجيج، وذلك قبل قدومهم إلى المملكة من خلال إمكانية إصدار التأشيرات عن بعد ودون الذهاب إلى السفارات، ثم وصولا إلى البلد ومن خلال تنقلاتهم بين المشاعر المقدسة وأثناء توافدهم إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث بلغ عددهم الإجمالي لهذا العام مليونين و371 الفاً و675 حاجاً تمكنوا جميعهم من الوقوف بمشعر عرفات في يوم الحج الأكبر في وقت قياسي واستكملوا بعدها مشاعر حجهم ابتداءً بالمبيت بمشعر مزدلفة والانتقال إلى مشعر منى لرمي الجمرات والتوافد إلى المسجد الحرام لأداء طواف الإفاضة في حالة أمنية مستقرة، وتحرك مروري انسيابي، وفي أوضاع صحية خالية من الأمراض الوبائية، ولله الحمد.
وقد بلغ عدد القوى العاملة في الحج من مختلف الجهات أكثر من 350.000 بالإضافة إلى 35.000 متطوع ومتطوعة، بينهم 120.000 رجل أمن، و200.000 من مختلف القطاعات، و30.000 ممارس صحي؛ في غضون ذلك، وزعت الجهات الخيرية أكثر من 26 مليون وجبة، خلال حج هذا العام، تحت إشراف لجنة السقاية والرفادة بإمارة منطقة مكة المكرمة. وبلغت الأحمال الكهربائية، خلال حج هذا العام في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، 4715 كيلو وات، وتم ضخ 41 مليون متر مكعب من المياه لمكة المكرمة والمشاعر، خلال الحج؛ كما تم نقل 2.489.406 حجاج من عرفات إلى مزدلفة خلال ست ساعات منهم 360.000 حاج عبر قطار المشاعر و100.000 استخدموا طرق المشاة والباقي تم نقلهم عبر 20.000 حافلة.
كنا إذن في معسكر رباني وفي عبادة عظيمة سنوية شرعها الله للعباد؛ لما فيها من المنافع العظيمة وما تهدف إليه من المقاصد الجليلة ولما يترتب عليها من خير في الدنيا والآخرة، وهي فريضة على جميع المكلفين في أقطار الدنيا، رجالاً ونساءً، إذا استطاعوا السبيل إليها في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، ولا جرم أن أعظم هدف للحج وأعظم مقصد، أن يأتي العبد مخلصًا لله، يقصد وجهه الكريم ويلبي ويقول: لبيك لا شريك لك يريد إخلاص العبادة له وحده، يريد توجيه قلبه وعمله لله، ويكرر: لبيك اللهم لبيك، يعني: أنا عبدك مقيم لعبادتك إقامة بعد إقامة، ومجيب لدعوتك على دين رسولك وخليلك إبراهيم وعلى دين حفيده محمد عليه الصلاة والسلام، مجيب لذلك إجابة بعد إجابة، أقصد وجهك، وأخلص لك العمل، وأنيب إليك في جميع الأعمال، من صلاة وحج وغير ذلك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك... هذا أول شيء يبدأ به قاصد البيت العتيق، إخلاص العبادة لله وحده، والتوجه إليه، والإقرار بأنه سبحانه الواحد الأحد، لا شريك له في الخلق والتدبير والملك...
كما يتعارف المسلمون ويأتون من كل فج عميق، من غرب الأرض وشرقها وجنوبها وشمالها، يجتمعون في بيت الله العتيق، في عرفات، في مزدلفة، في منى، في رحاب مكة، يتعارفون ويتناصحون، وقد عاينا ذلك في أمكنة إقامتنا حيث تعرفنا على إعلاميي ومفكري دول وزملاء ما كنا نعرفهم ولا أعددنا لمثل هذا الاجتماع الرباني مسبقا، وكانت تجمعنا أوقات لا تنسى من الأحاديث قاسمها المشترك الأخوة والخضوع لمرتكز الدين الإسلامي القائم على {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وخرجنا جميعًا بقناعة أن ما يجمع كل المسلمين عقيدة وحضارة وثقافة ولغة يجب استثماره في خلق الوحدة والعيش المشترك وبناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المتآخي.