د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
أسعدني أخي العزيز الأستاذ الدكتور محمد بن محمود فجّال بالاطلاع على دراسته وتحقيقه المتميز لكتاب من أهم كتب النحو العربي في العصر التاسع الهجري هو (فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد) لبدرالدين محمود بن أحمد العيني (855ه)، وهو مختصر لكتاب سابق كتبه العيني نفسه وهو (المقاصد النحوية في شرح شواهد الألفية)، وتتصل أهمية هذا الكتاب بأهمية ألفية ابن مالك التي جاءت بعد تاريخ طويل من الجهود النحوية فكانت زاوية لأهم ما جاء في تلك الجهود، آراء تخيرها ابن مالك ثم زواها في خلاصته الألفية التي تلقاها الناس بالقبول حفظًا وتعلمًا وتعليمًا، وما زالت هي عماد التعليم النحوي إلى يومنا هذا، ونال هذه الألفيةَ من الشروح ما لم ينل كتابًا نحويًّا آخر، واعتمدت هذه الشروح على شواهد شعرية كثيرة هُدي العيني بما وهبه الله من غزارة علم وعمق فكر إلى شرحها شرحًا مفصّلًا ثم مختصرًا بعض الاختصار، واختار العيني أربعة شروح من شروح الألفية الكثيرة، وهي: شرح ابن الناظم، وشرح المرادي، وشرح ابن هشام، وشرح ابن عقيل، ومنذ ألف الكتابين وهما مرجعان مهمان لا يستغني عنهما طالب النحو أو الباحث في مسائله ودقائقه، وصارت مادته منهلًا للمؤلفين من بعده.
أحسن الأستاذ الدكتور محمد بن محمود فجال حين اختار كتاب (فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد) ليدرسه ويحققه ثم يسعى إلى نشره ليكون بين طلاب العلم والدارسين والمشتغلين بعلوم العربية، فقد ظل هذا الكتاب حبيس مخطوطاته أو نشرة تجارية عاطلة من الضبط؛ والكتب النحوية مفتقرة إلى الضبط ليكون الانتفاع بها أجدى.
جعل هذا العمل في قسمين أما القسم الأول فالدراسة، وجاءت في بابين، أحدهما عن المؤلِّف العيني والآخر عن المؤلَّف (فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد)، تناول الباب الأول البدر العيني: عصره، وسيرته، وآثاره، في ثلاثة فصول، كان الفصل الأول عن عصر البدر العيني وجاء الحديث فيه عن الحالة السياسية في عصر العيني بوجه عام، وعن الحركة العلمية في ذلك العصر عن المدارس والمكتبات والمؤلفات، وكان الفصل الثاني عن سيرة العيني، عن اسمه وكنيته ولقبه ونسبته ومولده وأسرته ونشأته وطلبه العلم ورحلاته ووظائفه التي تقلدها وعلاقته بالحكام، ثم عن مدرسته فوفاته، ثم عن آراء العلماء فيه وعن شيوخه وتلاميذه وعلاقته بأقرانه المعاصرين، وخصص الفصل الثالث للحديث عن آثاره، وأما الباب الثاني (كتاب الفرائد عرض وتحليل وتقويم) فجعل في خمسة فصول، عالج الفصل الأول تعريف فرائد القلائد وطريقة التأليف فيه، فذكر سبب تأليف الكتاب وهو تهذيب الكتاب الأول بحذف ما لا يفتقر إليه النحويّ من معلومات واستطرادات أثقلت الكتاب ثم إضافة بعض ما فات الكتاب الأول، ومن هنا تأتي علة تسمية الكتاب، التي يتبين بها موضوع الكتاب والفرق بين المقاصد والفرائد، ثم ذكر بعد ذلك منهج المؤلف، وأما الفصل الثاني فوقف على المصادر النحوية واللغوية التي اعتمد المؤلف عليها في تأليف مادة الفرائد، وعلى ما جاء ذكره من العلماء والكتب واللغات، وأما الفصل الثالث فعن أصول
النحو في فرائد القلائد، وهي السماع والقياس والإجماع. وأما الفصل الرابع فبيان لموقف المؤلف من النحاة في فرائد القلائد، وموقفه من مدرستي البصرة والكوفة واتجاهه النحوي، وأما الفصل الخامس فهو تقويم للكتاب بيّن ملامح شخصية المؤلف في كتابه، ومدى التزامه والملاحظات عليه، وثناء العلماء على فرائد القلائد وأثره فيمن بعده.
وأما عن تحقيق الكتاب فبين الدارس المحقق منهج التحقيق، وذكر بيانًا فيه وصف النسخ المخطوطة، وأماكن وجود فرائد القلائد في مكتبات العالم، ثم أظهر الفروق بين النسخ والملاحظات عليها وشفع بذلك نماذج من النسخ.
جاءت دراسة الأستاذ الدكتور محمد بن محمود فجال لهذا الكتاب موضوعية بعيدة عن الإسراف في الثناء على المؤلف، ولذلك نجده يسجل بعض الملحوظات عليه ويستدرك أشياء فاتته وهو بهذا يضيف إضافة علمية جليلة للعمل، ومن ذلك أنه عثر على ثلاثة عشر بيتًا وردت في شروح الألفية الأربعة وفات العيني ذكرها في كتابه، ومن ذلك أنه وجد عشرة أبيات ذكرها العيني في كتابه وهي ليست شواهد بل وردت في الشروح الأربعة على سبيل التمثيل لا الاستشهاد لأنها لشعراء لا يستشهد بشعرهم، كالمتنبي والمعري، وكان العيني يرمز للشروح الأربعة بأربعة أحرف مقتطعة من اسمها (ظ:ابن الناظم، ق: ابن أم قاسم المرادي، ه: ابن هشام، ع: ابن عقيل)، فإذا ذكر الشاهد شفع ذلك برمز الشرح أو الشرحين أو أكثر؛ ولكنه اضطرب في ذلك، وهذا ما سجله الدارس المحقق فقد وجده ربما رمز لبعض الأبيات برموز شروح ليست فيها تلك الأبيات، وكان ذلك في ستة شواهد، وربما أهمل الرمز لشواهد موجودة في بعض الشروح، وكان ذلك في سبعة وثلاثين شاهدًا، وربما أورد شو اهد ليست في الشروح التي رمز إليها ولا في غيرها، وكان هذا في أربعة أبيات، ووفق الدارس المحقق إلى نسبة خمسة وأربعين شاهد شعر لم ينسبه العيني لقائله، وأخذ عليه تكرار ترجمة بعض الشعراء.
أما النص المحقق فقد تهيّأ للدارس المحقق خمس نسخ جعل إحداها بما تتميز به وهي أن كاتبها عالم عاصر المؤلف، وقابل هذه النسخة بنسخة أخرى، واستفاد من ثلاث النسخ الأخرى لسد نقص أو نحوه، وأجاد الدارس المحقق خدمة النص وتخريج ما فيه من نصوص وآراء، وصنع كشافات مختلفة تعين على الوصول إلى دقائق العمل.
بارك الله في أخينا الأستاذ محمد بن محمود فجال لما تكبده من عناء دراسة هذا العمل الموسوعي الكبير وتحقيقه أحسن تحقيق وإخراجه للناس في حلة بهية تشجع القارئ على المضي في قراءته والنهل من معينه، وفق الله العاملين على خدمة العربية وطلابها وجزاهم عنا خير الجزاء.
** ** **
(*) نشر هذا الكتاب في طبعته الأولى ضمن (سلسلة كتبنا الخالدة) في دار قنديل للطباعة والنشر والتوزيع في دولة الإمارات العربية المتحدة، عام 1440ه الموافقه 2019م.