أ.د.محمد بن حسن الزير
وتم موسم الحج بنجاح باهر؛ فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وحمدًا لله حمدًا حمدًا، وشكرًا لله شكرًا شكرًا، والحمد لله ربنا رب العالمين الذي أطعمنا وسقانا وأمّنَ حمانا وجعلنا مسلمين! والحمد له على ما أنزله من مطر بلَّ به أرواح المؤمنين في المشاعر المقدسة، ونشر بفضله ورحمته على عباده، والحمد لله القائل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (7) سورة إبراهيم
إن ذلك النجاح الذي يتكرر كل عام، ومعه في كل موسم المزيد من التقدم المشهود له؛ من قبل الجميع حجاجًا ومتابعين في الداخل والخارج، بالتفوق في تقديم الخدمة الأفضل؛ إنما هو ثمرة من ثمار كثيرة لدعوة الحق تلك التي انطلقت، من قلب بلادنا هذا الوطن الكريم في تاريخه الحديث، من الدرعية وسط الجزيرة العربية لتجديد تعاليم الدين الإسلامي، وإعادة إحياء ما اندرس منها في نفوس الناس وحياتهم، تلك الدعوة الإصلاحية التي انبعثت عام 1157هـ بتعاون الإمامين الجليلين الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب، رحمهما الله تعالى وجزاهما عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. ثم تجددت بحيوية وعزيمة وثبات ويقين وتقدم على يد المؤسس الكبير، والقائد المؤيد بتوفيق الله وعونه؛ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيَّب الله ثراه- حين أسس الدولة العربية الإسلامية الحديثة (المملكة العربية السعودية) التي لمت الشمل، وجمعت الكلمة، ووحدت أجزاء البلاد إنسانا ومكانا تحت راية الحق والعدل راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فنَعِمَ الوطنُ وأهلُه بالأمن والأمان ورغد العيش ورخاء الحياة، والنهوض العصري في مجالات الحياة المتعددة في ظل سلام اجتماعي مكين.
وقد كان من أبرز ظواهر تلك الحياة الآمنة المستقرة تأمين الدولة السعودية للحرمين الشريفين وتأمين طرق الحج ومسالك المسلمين إليهما من قاصدي أداء فريضة الحج استجابة لنداء أبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أذن به في الناس امتثالا لأمر الله له؛ نعم لقد كان هذا النجاح وذلك الأمن ثمرة يانعة من ثمار الاستقرار والاستمرار لهذه الدولة المباركة، التي توالت عنايتها ورعايتها بهذا الموسم، بكل متطلباته واحتياجاته، تتطور وتتقدم من نجاح إلى نجاح؛ منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ومن بعده أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله -رحمهم الله- إلى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، يحفظهم الله ويكلؤهم برعايته وتوفيقه.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.. الحمد لله الذي أنعم على بلادنا الكريمة وعلى حجاج بيت الله الحرام وعلى الأمة الإسلامية بتحقق هذا النجاح الباهر المنقطع النظير لحج هذا الموسم العظيم في هذا العام 1440هـ، وتمكن وفود الرحمن من أداء نسكهم في يسر وراحة وطمأنينة، وتنعُّمهم في قضاء واجبات نسكهم في أجواء من السكينة والأمن والأمان والغبطة والحبور، حفتهم فيها عناية الله ورعايته، وتنزلت عليهم في عرصات مشاعر حجهم رحمات الله وبركاته ونعمه التي لا تُعد ولا تُحصى؛ بما وفق الله قيادة هذه البلاد المباركة وحكومتها وأجهزتها المتعدة وشعبها إلى تقديم كل ما في وسعها وإمكاناتها التخطيطية والمالية والبشرية والفنية في كل المجالات لخدمة حجاج بيت الله، وتهيئة كل الظروف والأسباب لتأمين حجهم، وتحقيق سبل الراحة والسلام والسلامة لهم فكريًا وأمنيًّا وصحيًّا واجتماعيًّا؛ وننوه بخاصة بالمهمة العظيمة الأساس في تحقيق سكينة الحجاج تلك التي بينها سمو رئيس لجنة الحج المركزية، الأمير خالد الفيصل، في لقاء تلفزيوني معه، حين قال: «مهمتنا أن نضمن للحاج الراحة والطمأنينة والسكينة لأداء عبادة الحج» ويضيف: «ولا نتدخل في شؤون العالم الإسلامي الداخلية.. وهذه الأماكن المقدسة مهيأة للعبادة فقط!»
لقد شهد حج هذا العام بنجاحه المتميز المنقطع النظير على كل الأصعدة والخدمات، وفي التمكن بتفوق في إدارة هذه الحشود العظيمة، التي لا بد أن تتحرك وتتنقل في أمكنة وأزمنة محددة، وخدمتها في الوقت نفسه وخدمة العاملين عليها أيضا؛ نلك الحشود التي بلغ الحجاج فيها (2489406) حاج، مضافا إليهم أعداد القوى العاملة في تسهيل مهمة الحجاج وتقديم الخدمات المختلفة لهم، وقد بلغ عددها (350000) عامل؛ منها: (120000) رجل أمن و(200000) فرد من القطاعات المختلفة، إضافة إلى (30000) ممارس صحي، وزد على ذلك (35000) متطوع ومتطوعة، أولئك الذين يقدمون صورة مشرفة لهذه الخدمة النبيلة، ولا ننسى التنويه هنا بالإضافة المتميزة التي عززت أداء الجهد التطوعي، التي قامت بها «مسك المشاعر» أحد برامج مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (مسك الخيرية). وغيرها من الجهات والأفراد من المتطوعين والمتطوعات؛ وقد تم في ظل ذلك الحشد الهائل إجراء (336000) ألف عملية قلب مفتوح، وتوزيع (26000) وجبة من الجهات الخيرية؛ الجزيرة العدد (17121).
ولقد شهدت منظمة الصحة العالمية، وأشادت بالجهود الصحية المتميزة للقطاع الصحي في المملكة العربية السعودية، ونوهت بأنه لم تسجل قضايا صحية جوهرية « وأعربت المنظمة في بيان لها، عن خالص شكرها وعميق تقديرها لجميع أبطال ومتطوعي الرعاية الصحية على تفانيهم في تقديم خدمات الرعاية الصحية لما يزيد على2.5 مليون حاج..»؛ الجزيرة العدد (17121).
إن ذلك النجاح يشهد على حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين ورجالها وأجهزتها على التقدم نحو الأفضل كل عام، وعلى إصرارها الحازم على استهداف تقديم الخدمة الأفضل والأكمل في كل مجالات الخدمة وميادينها، بكل ما أوتيت من قدرة وإمكانات لتقديم حج أفضل وأمتع لوفود الرحمن جل جلاله، وتقدست أسماؤه، له الشكر وله الحمد بلا انقطاع!
الجهود شرف ورسالة وفخر:
إن هذه الجهود هي من فضل الله وتكرّمه على هذه البلاد وأهلها قيادة وحكومة وشعبًا وقطاعات عامة وخاصة وجمعيات وأفراد، ويعدونها رسالة سامية يتشرفون بأدائها ويعتزون بتقديمها؛ وقد عبر عن ذلك خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- في كلمته في حفل استقبال الأمراء والمسؤولين وقادة القطاعات العسكرية، وقادة الأسرة الكشفية في المملكة المشاركة في حج هذا العام 1440هـ، حين قال: «.. لقد حبا الله بلادنا بنِعَم كثيرة؛ إذ اختصها بشرف خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما من الحجاج والمعتمرين والزوار، فأدت واجبها مرضاة له سبحانه، ورحبت بضيوف الرحمن دون استثناء، ووفّرت لهم كل الخدمات التي تعينهم على أداء نسكهم بكل يُسر وسهولة وأمن وطمأنينة. ولم يتحقق ذلك إلا بفضل الله سبحانه، ثم بالجهود الكبيرة التي تبذلها أجهزة الدولة بكل قطاعاتها. أيها الإخوة.. بهذه المناسبة العزيزة على جميع المسلمين نسجل تقديرنا لما تبذله القطاعات العسكرية والأمنية في خدمة ضيوف الرحمن، وفي الذود عن حياض الوطن، وحماية المقدسات، والتضحية في ميدان الشرف.. وهي جهود وتضحيات كانت وستظل محل فخر الوطن واعتزازه. الجزيرة العدد (17119).
كما قال خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- في حفل الاستقبال السنوي لرؤساء وفود الحج: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (سورة الحج 27) والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين... لقد شرف الله المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، خدمة نفخر بها، فجعلنا رعايتهم وسلامتهم في قمة اهتماماتنا، وسخرنا لهم كل ما يعينهم على أداء حجهم، وفق مشاريع متكاملة تهدف إلى تيسير أداء الحج، وسلامة قاصدي بيته الحرام، ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، مكملين بأعمالنا الجهود الجليلة التي بذلها ملوك هذه البلاد المباركة، منذ عهد مؤسسها جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة». (الجزيرة العدد 17120).
تحية ممزوجة بالحب والتقدير والامتنان لقيادة هذا الوطن العزيز الكريم وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهم الله- والتحية والتقدير موصولة لسمو أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل رئيس لجنة الحج المركزية، وإلى سمو وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف رئيس لجنة الحج العليا -يحفظهم الله- وإلى كل الوزراء والمسؤولين والقيادات الأمنية والعسكرية والإدارية المخلفة، وإلى كل رجال الأمن وغيرهم من المدنيين العاملين والمشاركين والمتطوعين والمتطوعات الذين كان لكل منهم دورهم المؤثر في نجاح هذا الموسم الرباني العظيم، بشكل متميز فريد يدعو إلى الإعجاب! وتهنئة من القلب لقيادتنا الرشيدة ولكل العاملين على نجاح موسم الحج هذا النجاح المتميز؛ وفقك الله يا وطن الخير، وحفظ قيادتك الكريمة لتواصل رسالتها الخيرة؛ كم نحن فخورون بك أيها الوطن الماجد العزيز!
واليومَ في وطني السّعيدِ تحققتْ
أمجادُنا ولنا طموحٌ قد سَعَى
نحْوَ العُلا نبْغي العُلا لا نكتفي
إلا إذا تفْنَى الحياةُ وتهْجَعا
نسعى لخدمة قاصدٍ أو زائرٍ
وإمَامُنا للْمَسْجِدَيْنِ بَنَى رَعَى
نسعى لخدمةِ مَنْ أَفَاضَ وأحْرَمَا
والمسجدانِ تلألآ وتوسَّعَا
حجَّ الحجيجُ وعادَ يَحْمِلُ غُنْمَه
بِرَّا أصابَ وقد أفاضَ وأمْتَعَا
قَضَّى مناسِكَ حجِّهِ في راحَةٍ
وقلوبُهُمْ رقَّتْ وفاضتْ أدْمُعا
أدَّى المنَاسِكَ في المَشَاعِرِ آمنَا
ومُنَعَّمَا عِنْدَ الحَطِيْمِ تضَرَّعَا
أفضى إلى المولى الكريمِ هُمُوَمَه
يرجو النوالَ وبالعقيدةِ مُتْرَعَا
يدعو الإلهَ موحِّدَا مُسْتَوثِقَا
مِنْ عَفْوِهِ وبفضلِهِ قَدْ شَعْشَعَا
ودَعَا لِمَنْ خَدَمَ المُقَدَّسَ وابْتَغَى
مِنْ رَبِّهِ حُسْنَ النوالِ وَقَدْ سعى
سلمانُ ذو الحزمِ المَكِينِ وعَزْمَةٍ
مَضَّاءةٍ لا تَنْثَنِي وَهُمَا مَعَا
ومُحَمَّدٌ ذو هِمَّةٍ تُدْنِيْ لَهُ
مَا قَدْ يَرُوُم ونَظْرَةٍ مَا أَبْرَعَا
وطني وفاك اللهُ دُمْتَ مُوَفَّقَا
ومُؤَيَّدا وَبَهَدْيِهِ مُتَمَتِّعَا