د. حمزة السالم
لفظ الاحتكار عمومًا يعني عدم وجود المنافسة. وعدم وجود المنافسة يكون إما بمنع دخول المنافسين بقوة السلطة، أو بالممارسات الاحتكارية المتنوعة المتعمدة، أو بسبب عوامل ندرة أو ارتفاع كلفة إنتاج، أو بسبب ديناميكية السوق، فهذه أربعة أشكال للاحتكار.
فحصر إنتاج معدن أو سلاح ما، على منظمات الدولة، يعد مثالاً على منع دخول المنافسين بقوة السلطة. وكذلك التفضيلات الحصرية التي تفرض بالقانون، هي مثال آخر على الاحتكار المتعمد السلطوي.
وكمثل إيضاحي للشكل الثاني -الاحتكار المتعمد- نمثل بلجوء الشركة الضخمة على تخفيض الأسعار دون الكلفة، إذا ما دخل منافس جديد حتى يفلس ويخرج من السوق، ثم تعود لرفع الأسعار. أو كتخزين السلع القابلة للتخزين؛ لخفض العرض ورفع الأسعار وغير ذلك من الممارسات.
وحد الاحتكار هو: مقدرة المنتج على وضع سعر أعلى من سعر السوق، ولا يفقد حصته السوقية. والاحتكار درجات، تمتد من احتكار مطلق إلى احتكار جزئي.
وأما الاحتكار لسبب عوامل الإنتاج، فمن أسباب الاحتكار: ارتفاع كلفة الإنتاج والندرة في الموارد. فمثلاً: الإنتاج الذي يعتمد على خبرات نادرة أو كلفة عالية الإنتاج، تجد سوقه محتكرة، كصناعة الطائرات والأسلحة المتقدمة والاستشارات المتقدمة. ومن أسباب الاحتكار، الشهرة. فالسلعة التي يكون من طبيعتها اعتياد الناس عليها ذوقًا أو خبرةً وتعليمًا تصبح محتكرة لسوقها، كبرامج ميكروسوفت مثلاً.
فالندرة في تخصصات العلوم التي تتعلق بصناعة معينة وبراءات الاختراع، تمنع من فتح السوق للمنافسين، كصناعة بعض الأدوية والأسلحة. والكلفة الضخمة لتأسيس المصنع، تمنع من دخول المنافسين، كصناعة الطائرات والبوارج البحرية والسفن العملاقة.
وأما الشكل الرابع فهو الاحتكار الطبيعي. والاحتكار الطبيعي لا يكون بسبب ممارسات متعمدة، أو بسبب عامل من عوامل الإنتاج - الذي هو العرض- أو عوامل الطلب. بل تراه يحدث تلقائيًا نتيجة لانقلاب ديناميكية السوق بسبب تحقق الكلفة العالية قبل الإنتاج.
وحد الاحتكار الطبيعي هو: كون ديناميكية سوقه تسبب نقصان كلفة الإنتاج مطلقًا مع زيادة الإنتاج. (وهذا يكون بسبب ارتفاع كلفته الثابتة بنسبة كبيرة عن الكلفة المتغيرة). ومعنى هذا نشرحه عن طريق مثال شركة الكهرباء:
فمصانع الكهرباء وتمديدات الكهرباء هي كلفة مدفوعة سواء أَأَنتجت شركة الكهرباء أم لم تنتج. وهذه الكلفة مرتفعة أضعافًا مضاعفة كثيرة لنسبة كلفة الوقود المنتج للكهرباء، والذي لا تُدفع كلفته إلا مع الإنتاج. فكلما زاد الإنتاج نقصت الكلفة الثابتة للمصانع والتمديدات، وكلما قل الإنتاج زادت الكلفة الثابتة. فدخول شركة أخرى منافسة بمصانعها وتمديداتها لتنافس الشركة الموجودة، سيرفع متوسط الكلفة الإنتاجية؛ بسبب التنافس على الطلب وانقسام المشتركين بين الشركتين؛ مما يرفع الأسعار على المستهلك. ولذلك تحمي الحكومة الشركات التي تكون ديناميكية إنتاجها تمثل الاحتكار الطبيعي. لذا فترى منحنى عرض الكهرباء أو قانون العرض في صناعة الكهرباء مُنقلبًا، فتراه سلبيًا كالطلب لا إيجابيًا كالعرض.
إذًا، فالصناعات ذات البنية التحتية المرتفعة الثمن التي تشكل غالب الكلفة، هي محتكر طبيعي بسبب ديناميكية السوق في العرض والطلب، كشركات الكهرباء والماء.
وفي عالم النقد احتكار طبيعي، كذلك. فعملة الاحتياط الدولية، مثال على مُحتكر طبيعي بسبب ديناميكية السوق، كالدولار. والمقصود بعملة الاحتياط الدولية هي العملة التي تتداول بها دول العالم بين بعضها بعضًا، في ساحة التجارة العالمية.
فوجود عدد من العملات المختلفة يُعقد التبادلات والتفاهمات، كما أنه يرفع كلفتها. ولتوضيح الرؤية، فصراف العملات لا يمكنه الاحتفاظ بكميات كبيرة لكل عملة؛ فهذا مكلف ومتعذر أحيانًا. ولكن يحتفظ بعملة دولية رئيسية تكون هي المخزون الأساسي، ويتخلص من العملات الأخرى.
والاحتكار الطبيعي، ليس في الصناعات وأسواق المال والسلع فقط، بل هو أيضًا في الأيدولوجيات والأديان والثروات، ولا محل لطرحها هنا.