د. محمد عبدالله الخازم
أحد أهم شعارات المرحلة الراهنة يتمثل في تمكين عنصري المرأة والشباب (التمكين في المناصب) وهذا مطلوب، فمن ناحية المرأة لم تمكن كما يجب في السابق والشباب هم مصدر الديناميكية والحماس والعلم الحديث. هذا أمر متفق عليه وليس مقالي حول صراع أجيال، إنما تساؤلات في معنى التمكين وكيفيته.
هل تمكين ابني الشاب أن أضعه مديرًا تنفيذيًا لشركتي ذات الميزانية المليونيرية والمتخصصة في الصناعة وكل حصيلته في الحياة دوره في اللغة ودراسة إدارة أعمال ما زال متعثرًا في إنهائها؟ ربما ينجح مستفيدًا من دعمي وربما لا ينجح، ربما يجامله الموظفون بحكم نسبه أو مسمى منصبه وربما يسيرونه فيصبح مجرد منفذ لما يرونه من قرارات وربما يتعبونه فلا يتعاونون معه، ربما يلجأ لأساليب تعوض ضعف قدراته أو تسهم في خداعي كصاحب قرار كأن يكثر من الأخبار الإعلامية أو من وسائل الإبهار كالانفوقراف ودعايات السوشيال ميديا، فأصدق أنه مبدع في مكانه. الخلاصة أنني أغامر ولا أدري ما هي النتيجة المتوقعة لأنني لم أعينه وفق معطيات علمية وموضوعية وخبرات ناضجة متدرجة، قد ينجح وقد يحترق، قد يبدع وقد يهدم مجهوداتي عبر السنين فأعود لترقيع إخفاقاته أو كسره بإبعاده وتهميشه.
المفهوم العلمي والعملي للتمكين هو منح الفرص للتعلم ومنح الثقة للإبداع وفق منهج متدرج وليس مجرد وضع الشخص في منصب قيادي دون خبرات وتدرج كافٍ في العمل الذي سيشغله. المنصب القيادي ليس مدرسة لإدارة الأعمال بحجة تمكين السيدات أو الشباب بل يفترض أن يأتي كمحصلة للخبرات والتجارب، أحضر له من هو قادر على الإضافة فيه وليس من أريد منحه فرصة للتعلم على حساب العمل والناس، وعلى حساب من هم أحق من واقع خبراتهم وتدرجهم وتعلمهم.
بوضوح؛ أبث خوفي من المبالغات في تعيين شباب ونساء في مناصب وفق آليات عشوائية غير علمية، لا تتبع منهجًا إداريًا واعيًا. أن تملك الصلاحيات في قطاع عام لا يعني أن تختار وتعين بناء على معايير اجتماعية فقط، أو بناء على مسطرة السن وحده. المطلوب دعمك لتوجهات القيادة الحريصة على الإبداع والتميز والديناميكية في العمل، وفق منهجية علمية متدرجة وعادلة. أخشى بث رسالة مفادها أن المناصب ليست للمجتهدين والمبدعين؛ مهما تجتهد وتتميز في عملك ومهما يقول المنطق العادل والموضوعي أنك تستحق التدرج في منصبك فجأة يأتيك مديرة أو مدير (بالبراشوت) ليس له خبرة أو علاقة بالعمل. الأهم من ذلك، أخشى الاحتراق الوظيفي للطاقات التي نريد تمكينها فتتحول التجربة إلى نقمة وإساءة لهم مستقبلاً في حال إخفاقاتهم. نتذكر كيف أن موجة إدارة الدكاترة لكل قطاع لمجرد أنهم دكاترة ويحملون الحرف السحري انقلبت عليهم وبدأ الناس يفقدون الثقة في صاحب لقب دكتور، حتى على مستوى القيادات الوزارية. لا نريد أن نطالب مستقبلاً بإبعاد السيدات والشباب من المناصب بحجة فشلهم. نريد نموًا وتدرجًا إداريًا طبيعيًا لهم ونريد عدالة في التمكين بناء على القدرات والخبرات والمؤهلات وليس مجرد العمر أو الجنس.