محمد آل الشيخ
لا يصح ولا يبقى إلا الصحيح، هذه حقيقة تأتي كأول حقيقة من حقائق التاريخ. هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ الأنباء المفرحة عن نية وزارة التعليم إعادة كتابة مقررات التاريخ في محاضننا التعليمية، بالشكل الذي يطهرها من عبث خبيث استبد بها قرابة أربعة عقود، وكنا - مع الأسف - عنه غافلين. ليس ثمة جديد أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة مسيسة، تعد أن الوطن مجرد جزء من كيان أكبر، هو ما يسمونه دولة الخلافة، أو دولة الأمة، وهذا الهدف يصرحون به في أدبياتهم ولا يخفونه، وأصبح من المعروف أن هذه الجماعة كانت من خلال كوادر سعوديين وغير سعوديين، هم من كانوا يوجهون التعليم، ويرسمون سياساته، ويبذرون بذراتهم الخبيثة في مؤسساته، ومع الزمن أحكموا قبضتهم وسيطرتهم على جميع شؤونه، وفضلاً عن المناهج ومحتوياتها وتوجهاتها، أصبح المعلم، والإداري في المدرسة، إضافة إلى المشرفين كبارهم وصغارهم على السواء لا يعملون لخدمة كيان اسمه (الوطن)، وإنما انصب جل اهتمامهم، سواء في الصفوف الدراسية، أو في النشاطات غير الصفية، على التركيز بأننا (أمة) أولاً، وما (الوطن) إلا جزء من هذه الأمة، وهو بمنزلة ظاهرة عابرة ستزول عندما تقوم (دولة الأمة)، التي يسمونها في أدبياتهم (دولة الخلافة)، وكان كبراؤهم وأساطينهم، مثل سيد قطب، يعد أن الوطن (حفنة من تراب نجس) لا بد من زواله. بهذه العقلية، وفي هذه البيئة، تراجعت الوطنية، وقلّ الإنتماء الوطني؛ وأتذكر أن من مقولاتهم الشهيرة في ذم (الوطن) كمفهوم، أن متشدديهم يعدون الوطنية، والدعوة إليها، والدفاع عنها، ضربًا من ضروب (الوثنية)، ومثل هذا التطرف كان للمناهج دور محوري في تكريسه وترسيخه بلا شك.
النقطة الثانية التي شملها التغيير الجديد، هي تاريخنا الحقيقي مع دولة سلاطين بني عثمان البائدة، فقد تعمدت كوادر جماعة الأخون المسلمين أن تكتب تاريخنا الحديث، وبالذات في القرن العشرين المنصرم، كما يتناسب مع أهدافها البعيدة كحركة سياسية، تقوم على إسقاط الأوطان، واستبدالها بدولة الأمة الواحدة، أو دولة الخلافة، أو لعلها دولة (الخرافة) التي وضعتها هذه الحركة الرجعية الظلامية المتخلفة هدفًا وغاية نهائية لها، لذلك فإن كل من يقرأ التاريخ الذي كان أبناؤنا يتعلمونه، لن تخطئ عينه أن ثمة محاولة جادة لطمس جرائم وكوارث الدولة العثمانية، التي ذاق منها الأجداد والآباء السعوديون الأوائل أهوال وكوارث دموية، لا يمكن لأي مؤرخ منصف أن يغفلها، ويدخلها ضمن السردية التاريخية، وكأنها ضمن الصراعات الهامشية التي اكتنفت الدول السعودية الثلاث عند التأسيس، فمن يقرأ تاريخنا المعاصر سيجد أن عدونا الأول، الذي سعى مرات عديدة، وفي مناسبات مختلفة، للقضاء عليها وتدميرها هم العثمانيون القتلة الأوغاد، وتأتي مجزرة الدرعية عام 1818م على رأس هذه الجرائم، التي لم يفعلها حتى جنكيز خان في زمانه.هذا التغاضي عن تاريخ الدولة العثمانية، التي تقشعر منها الأبدان، ويشيب لهولها الولدان، ما كانت لتكون لولا (مؤامرة) جماعة الإخوان، التي اختطفت رسم وتنفيذ سياساتنا التعليمية لأربعة عقود مضت، ونحن معهم - مع الأسف - كالأطرش في الزفة.
وفي تقديري أننا لن نحصن شبابنا وشاباتنا من هذه الحركة المتخلفة الخسيسة والانتهازية والدموية والإرهابية، إلا بتكريس قيمة (الوطن) كقيمة عليا لا تعلو عليها أي قيمة مهما كانت، ومن يعترض على تقديم الوطن، أو يريد إذابته في كيان أعلى، فليذهب إلى جبال تورا بورا في أفغانستان، فهناك قوم يشاركونه هذه القيم.
إلى اللقاء