عبود بن علي ال زاحم
يقول علماء التربية أن أهم وأخطر المناهج تأثيرًا على الآخرين هو «المنهج الخفي»، وسمي بالخفي لأنه غير مكتوب ولا مقروء، ولا يلقن عبر الدروس والمحاضرات كبقية المناهج التقليدية المعروفة، ويمكن تسميته بالمنهج السلوكي، حيت يرتكز صلب هذا المنهج على التعليم عبر السلوك والقدوة والتطبيق العملي من الفرد أمام وحدة المجتمع التي يستهدفها ويعيش بينها، فإذا كنت تراجع نفسك مرة قبل أن تلفظ بالكلمة، فعليك أن تراجعها ألف مرة قبل أن تقوم بفعلك وسلوكك.
فسلوكك في الأسرة أمام أولادك وأهلك هو «المنهج الخفي» شديد التأثير والفعالية على تربيتهم ونشأتهم القيمية والسلوكية في المجتمع، سلوكك هو القدوة لرعيتك الصغيرة التي أنت مسؤول عنها أمام ربك وضميرك، إذا كنت مقيمًا للصلاة، وصادقًا في التزامك بشرع دينك وتعاليمه الخاصة بالوطن والجار والشارع وذوي القربى وغير ذلك من واجبات المسلم، وإذا كنت كريم الأخلاق عف اللسان واليد، فسوف ينشأ أولادك على كل ذلك دون أن تبذل أية مشقة أو تعب، أما إذا كنت ممن يلقون على أولادهم الدروس والمواعظ الدينية والقيمية ليل نهار، ولا تفعل أمامهم بما تأمر به، وإذا كنت تدخن بشراهة وفي نفس الوقت تنهاهم دائمًا عن التدخين، فلا طائل من مواعظك ولا رجاء في نواهيك، حيث يقع سلوكك هذا ضمن «المنهج الخفي» السلبي، الذي يربي الأطفال على النفاق، والتعامل مع المجتمع بوجهين متناقضين، والانفصام الشخصي الناجم عن التضاد بين القول والعمل، وهنا يكبر الطفل حاملاً نفس سلوك والده الذي أصبح بالنسبة له قدوة «سيئة»، ويتحقق قول الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
ينطبق نفس الأمر على سلوكك في العمل مع رؤسائك ومرؤوسيك، المواظبة على مواعيد العمل، مع إتقانه وإجادته، والحرص على الإبداع في كل مفرداته وتفاصيله، إضافة إلى تقدير قيمة الوقت وعدم إهداره وتضييعه دون جدوى أو فائدة، كن حريصًا على نقل الخبرات المتراكمة لديك، والاتجاهات وكل القيم التعاونية الفاعلة، إلى الموظفين والعمال بالمؤسسة، من أجل تنمية الإحساس بالمسؤولية الجماعية بدلاً من الفردية، واعتبار العمل التعاوني قيمة اجتماعية مضافة، وأن الإبداع الجماعي أكثر ثراء وأوسع أفقًا من الإبداع الفردي.
من هنا لا تنظر إلى القمة على أنها مدببة، لا يقف عليها إلا أنت ولا تسع غيرك، كن ممن يعتبرونها مسطحة واسعة؛ فالنجاح يسع الجميع إلى جوارك، فالله سبحانه وتعالى «واسع» الرزق والعطاء، يده مع الجماعة، وعونه لمن يعين إخوانه على الخير، ويدفعهم إلى سبل التميز والترقي من خلال استخدام أساليب العمل الجماعي والمواجهة البناءة، في التفكير وحل المشكلات وترتيب الأولويات بين أعضاء الفريق أو الإدارة أو حتى المجموعة سواء كانت كبيرة أو صغيرة.
ولو رجعنا إلى سيرة القادة والمصلحين والمميزين في أعمالهم لوجدناهم أحرص الناس على تطوير قدرات وكفاءة من يعملون معهم أكثر من حرصهم على تطوير أنفسهم، لإيمانهم القوي بأهمية وحتمية تنمية رأس المال البشري؛ فالإنسان هو القاطرة العملاقة للتنمية الشاملة في الوطن، لذا كن أنت المبادر ولا تبخل على موظفيك وعمالك بالاستشارة، ارض لهم ما ترضاه لنفسك، أحبب لهم ما تحبه لأولادك، لا تقف في سبيل ارتقائهم، حفزهم بكل المحفزات الممكنة من أجل تميزهم ونجاحهم، لا تحرمهم من الفرص التي تراود أحلامهم، ولا من الآمال التي تسكن قلوبهم وتداعب خيالهم؛ فهم العمود الفقري، والعصب المركزي لبناء الوطن وتقدمه وازدهاره، وهم جنوده في حماية أمنه والدفاع عن استقراره.
وكما يقول «جاك ويلش» قبل أن تصبح قائدًا، عليك النجاح في كل شيء يعمل على إنماء ذاتك، وعندما تصبح قائدًا، عليك النجاح في كل شيء لتنمي شخصية الآخرين.