عمر إبراهيم الرشيد
يقول النائب السابق في الكونغرس الأمريكي بول فندلي (لو أعلن رئيس وزراء إسرائيل أن الأرض مسطحة، فإن الكونغرس سيصدر قبل مرور 24 ساعة قراراً ملزماً للحكومة الأمريكية يؤيد الإعلان ويبارك لرئيس الوزراء اكتشافه العبقري). لعل هذه المقولة توجز مدى هيمنة اللوبي الصهيوني على صناعة القرار الأمريكي وسياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط، وبما يخدم الكيان الصهيوني حتى على حساب مصالح أمريكا نفسها وهذا ما دأب هذا النائب على إيصاله إلى الشعب الأمريكي والعالم. مثل بول فندلي ولاية الينوي في الكونغرس الأمريكي لمدة 22 عاماً من 1960 إلى 1982م، واشتهر كتابه (من يجرؤ على الكلام) الذي أصدره عام 1985 وفيه جأر بصوته وبين مدى تغلغل وتأثير اللوبي الصهيوني واللجنة الامريكية – الإسرائيلية للشؤون العامة المعروفة اختصاراً باسم (ايباك)، حيث تعمل 200 لجنة ومجموعة ومنظمة للتأثير على القطاعات الإعلامية والاقتصادية والثقافية خدمة لمصالح (إسرائيل) قبل أمريكا، وكأن هذه المؤسسات تدار من قبل سفارة تل أبيب في واشنطن. بول فندلي القادم من ولاية ريفية في الجنوب وهي إلينوي، لم يكن لديه صورة واضحة للشرق الأوسط وقضاياه، إنما بعد خدمته في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية وشهوده لمآسيها، عارض الحرب الأمريكية على فيتنام وهو في الكونغرس، وأيد حركة الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة، ووقف إلى جانبهم وضد تمييزهم في الجيش. إذاً فنحن أمام صوت أمريكي إنساني يؤيد الحق والعدل، أدرك منذ بدايات عمله السياسي أنه لا بد أن يدفع ثمن وقوفه ضد اللوبي الصهيوني، وهو ما حدث حسب تحليلات عديدة حين عمل اللوبي الصهيوني على إسقاطه في الانتخابات التشريعية عام 1982 لصالح نائب موالٍ، بعد أن كان قد فاز 11 مرة متتالية. بعدها تفرغ للبحث والتأليف فكتب (من يجرؤ على الكلام 1985)، (الخداع، 1993)، (لا صمت بعد اليوم، مواجهة الصور المزيفة عن الإسلام في أمريكا، 2001)، (أجندة المحافظين الجدد، الحرب في الشرق الأوسط ومصالح إسرائيل القومية، 2008) ثم مذكراته بعنوان (أمريكا في خطر، 2011)، كما دعم تأسيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية. إنما لم يغفر اللوبي الصهيوني لبول فندلي ما فعل بهم، فاعتبروه عدواً خطيراً لهم وحاصروا مؤلفاته وعملوا على إخفاء المواقع والروابط التي تشير إليه في الشبكة العالمية. بل إن أيقونة الصحافة الحرة في نظر الملايين (نيويورك تايمز)نتقدت كتبه! لكن كل ذلك لم يثنه عن الاستمرار في فضح اللوبي الصهيوني، وتبني خطاب نادر وشجاع في أمريكا فيما يتعلق بسياسة التعامل مع المسلمين في أمريكا، وتلك التي تتعلق بمصالح أمريكا بدلاً من (إسرائيل). بول فندلي رحل عن عالمنا في الثامن من هذا الشهر بعدما يظن الكثيرون أنه خسر معركته مع اللوبي، لكنه في الحقيقة انتصر بما تركه من مؤلفات تخيفهم وتقض مضاجعهم.
إلى اللقاء.