م. بدر بن ناصر الحمدان
ليس من سمات هذه الزاوية «المكان الثالث» التي أكتبها أسبوعياً في كنف هذه الصحيفة العريقة أن تتناول شخصيات بذاتها، كونها زاوية متخصصة تُعنى بتطوير البيئة العمرانية، وبعلاقة الإنسان بالمكان، وحياة الناس داخل المدن. إلا أني وجدت من الأمانة أن أسطّر حروفاً مُنصفة عمّن كانوا مؤثرين في «حياة هؤلاء الناس» و»أماكنهم» حتى لو كان ذلك بصفة «استثنائية» كجزء من تقديرنا لهم نظير ما قدموه.
حديثنا اليوم عن رجل كان وما زال وسيبقى «مؤثراً» و»حاضراً» و»فاعلاً» في ذاكرة الوطن، وفي محيطه ومجتمعه، هو من القلائل الذين جعلوا من المسؤولية الاجتماعية الشخصية «أيقونة حياة»، قولاً وعملاً، قدم نفسه وفي مرحلة مبكرة كرجلٍ إن أتوا بعده، يقولون: مرَّ وهذا الأثرْ»، لم يكتفِ أن يكون «رجل دولة» فحسب، بل بات «رجل مجتمع»، يذكر فيشكر، فالمعروف لا يُعرّف، إنه معالي الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم بن محمد أبوحيمد، وكيل الحرس الوطني وعضو مجلس الشورى «السابق».
لست هنا بصدد تناول سيرة بقامة عبدالرحمن أبوحيمد، التي ربما عبّر عن شيء منها ما ورد في كتابي «من محبرة الوطن...أكتب لكم» و»من جماز إلى الإنجاز» للأستاذ يوسف العتيق وغيرها من الإصدارات والتراجم المكتوبة والمرئية، ولا مستعرضاً لأعماله في مجال الخير والبذل والعطاء، والتي لا يتسع المقام لذكرها، ولكني هنا أقف شاهداً حياً، وراصداً عن قرب، وواصفاً لنموذجاً مُحتذى لما يجب أن يكون عليه «الإنسان» المؤثر بعطائه بعمله وعلمه وماله وجاهه، وبنمط علاقته مع الآخرين، بأعمال اجتماعية وخيرية يلمسها الناس ويتعايشون معها وتكون جزءًا لا يتجزأ من حياتهم، والشواهد على ذلك كثيرة ولا حصر لها.
القراءة المتمعنة في سيرة هذا الرجل «الاستثنائي» تبرهن على أن الحضور المجتمعي لا يكون بالتواجد في كل مشهد، أو بمنافسة الآخرين على الظهور، وشغل المقاعد الأمامية، أو بالترويج عن النوايا والأمنيات، بل بما أنتجه الإنسان للمجتمع من «علم» و»عمل» ينتفع به، وهذا ما كان عليه الشيخ عبدالرحمن أبوحيمد في تأثيره بأعماله المشاهدة على «أرض الواقع» دون البحث عن أية مكاسب شخصية وإعلامية هو في غنى عنها، بما فيها هذه الحروف التي لم يكن ليوافق عليها لو علم بها، فـ»المرء يُعرف فِي الأَنَامِ بِفِعْلِهِ، وَخَصَائِل المَرْءِ الكَرِيم كَأَصْلِه».
في أروقة «عودة سدير» بلدته ومسقط رأسه التي ولد فيها عام 1947م، الحديث عن علاقته بها «كابن بار» دائماً ما تكون أكثر «شجناً» و»عاطفةً» و»تأثيراً»، كيف لا وهو من بدأ معها رحلة «عطاء» و»انتماء» مبكرة جداً، ومن ثم مواصلته مع سكانها قيادة جهود التحوّل والتطوير، وعودتها للحياة، واستعادة مكانتها الحضرية، وتبنيه عددًا من مشاريعها الخيرية والتنموية، ظاهرة وغير ظاهرة، كعنوان لمرحلة أثبتت أن الإنجازات لا تقاس بحجمها بل بالظروف التي ولدت فيها، وأثرها على المحيط المكاني والاجتماعي.
سيبقى معالي الشيخ عبدالرحمن أبوحيمد صاحب «تجربة استثنائية» مُحتذاة، وقدوة لأجيال قادمة، ونموذجاً لرجل معطاء، بما قدمه «كإنسان» لمجتمعه، وستحفظ له ذاكرة التاريخ تأثيره في «المكان» الذي انتمى إليه، ونحسبه ممن قيل فيهم: «كن كغيث إذا أقبل استبشر به الناس وإذا حَطَّ نفعهم، وإن رحل ظَلّ أثره فيهم».
فمثل هؤلاء هم من تُفرد لهم المساحات، وتُسخّر لهم الأقلام، وتطوى من أجلهم الدروب، فتحية لأُولئِكَ الرجال المخلصين.