محمد آل الشيخ
كانت الماركسية، التي تعد من أقوى أجنحة اليسار الأوروبي تكن عداوة وكراهية عميقة للأديان على اعتبار أنها عائق لتحرر الإنسان، وكان اليساريون الأوروبيون وغير الأوروبيين يتداولون مقولة ماركس الشهيرة (الدين أفيون الشعوب)، غير أنهم في الآونة الأخيرة تحولوا بشكل يكاد أن يكون معاكسًا، إلى نصرة الحركات الأصولية المتأسلمة، وترويج المصطلح الذي اخترعته جماعة الإخوان وهو مصطلح (الإسلامو فوبيا). ولم يقتصر التحالف بين المتأسلمين واليساريين على دولة أوروبية فحسب، وإنما يشترك فيه اليساريون في كل دول أوروبا، ويصرون على أن تفشي ظاهرة الإرهاب كان نتيجة للرأسمالية المتوحشة، التي هزمتهم شر هزيمة، ونتج عنها تفكك معسكر اليساريين الأعظم (الاتحاد السوفييتي).
كل بؤر الإسلام السياسي في أوروبا، وبالذات بؤر جماعة الإخوان المسلمين، تجدهم على وفاق تام مع يساريي أوروبا، بل والتيارات اليسارية في أمريكا وكندا أيضًا.
والسؤال الذي يأتي في السياق هنا: ما سر هذا التحالف، وما دوافع هذه الظاهرة؟
في البدء لا بد من الإشارة إلى أن هناك ظاهرتين تجتاحان الغرب في العقد الأخير وهما ظاهرة الإسلامو فوبيا وظاهرة التطرف اليميني، وهاتان الظاهرتان تغذي الواحدة الأخرى، وفي اعتقادي أن السبب الأول والرئيس الذي أدى إلى تحالف كهذا كان المصالح المشتركة، ووحدة الهدف، فاليسار الأوروبي عرف كأيديولوجية مرارة الهزيمة، وفشل التجربة، والإسلام السياسي أيضًا هو الآخر مر بالتجربة الفاشلة نفسها، وإن اختلف إلى درجة التضاد بين أولئك وأولئك. ولعل ظاهرة العنف، وكراهية الآخر، واستهداف أمن الشعوب واستقرارها، كان من أهم المبررات التي أدت في الغرب إلى هذا الخوف المرضي من الإسلام، أما وقوف اليسار في الغرب مساندًا لحركات الإسلام السياسي فلا يعدو عن كونه حلفًا وقتيًا نفعيًا لن يلبث إلا ويزول، لأن هناك كثيرًا من عوامل التفرقة بين التوجهين أكثر من عوامل الاتفاق، فضلاً عن أنه صوت ضعيف ويزداد ضعفًا ووهنًا كل يوم جديد.
صحيح أن ظاهرة الإسلامو فوبيا يكتنفها كثيرًا من التضخيم والتهويل، وصحيح أيضًا أن من الظلم الحكم على الإسلام من خلال عدد قليل جدًا من المتطرفين الغلاة، إلا أننا يجب أن نعترف أن هذه الظاهرة قامت لأسباب ومبررات لا يمكن تجاهلها، خاصة بسبب أحداث 11 سبتمبر وكثير من الأحداث العنيفة التي اجتاحت كل عواصم العالم الغربي، وأسقطت من الضحايا، وهزت الأمن والاستقرار، بشكل يجعل هذا الخوف من الحركات الإسلامية مبررًا إلى حد كبير. وأنا ممن ينادون وبشكل متكرر إلى إصلاح الخطاب الديني، وإعادة تنقية التراث الفقهي الموروث، من الدعوة إلى العنف، ما لم يكن هذا العنف دفاعًا عن وطن، أو ردًا على اعتداء عدو. وأخشى ما أخشاه أن يتحول شعار (الإسلامو فوبيا) إلى ذريعة تجعلنا نصمت عن إصلاح الخطاب الإسلامي بالشكل الذي يجعله خطابًا مسالمًا مواكبًا لأمن وطمأنينة الشعوب، وهذا ما تأباه الحركات المتأسلمة الثورية، لأن إسلام بلا عنف، يعني بالضرورة قضاء على كل حركات الإسلام السياسي، من خلال تجريدها من أهم أسلحتها، التي من خلالها تستطيع أن تحقق طموحات قادتها وأساطينها.
إلى اللقاء