مصعب الداوود
في عام 40هـ بدأت أول فترة حكم بعد الخلفاء الراشدين عندما تنازل الحسن بن علي - رضي الله عنه - عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان؛ وذلك حقنًا لدماء المسلمين. وسُمي ذلك العام بعام الجماعة. استمرت الأمة على طريق الوحدة والفتوحات حتى توسعت حدود الدولة الإسلامية من جبال البرانس في فرنسا غربًا حتى سهول الصين شرقًا. وكان هناك حاكم واحد فقط هو من يحكم ديار المسلمين، ويسمى بأمير المؤمنين، ويساعده عدد من الولاة الذين يحكمون مناطق وأقاليم صغيرة، لا تتعدى حجم القطر الواحد. وغالبًا ما تكون العلاقة بين الحاكم والوالي على وفاق تام بينهما. واستمر هذا التوافق حتى منتصف القرن الثالث هجريًّا عندما بدأت بعض الأقاليم بالاستقلال ولو صوريًّا؛ وهو ما أضعف الدولة العباسية، وخصوصًا بالاستعانة بالعنصر التركي، واتخاذهم وزراء حتى تمادى بعضهم وقتل بعض الخلفاء العباسيين وسمل عينيه. ومن الأمثلة على هذه الدول: الدولة الطولونية في مصر، الدولة الحمدانية في حلب والموصل، الدولة السامانية في إيران، الدولة الإخشيدية في مصر والشام.. وغيرها الكثير. وكانت العلاقات بين تلك الدول ومركز الخلافة تتراوح بين التبعية التامة للدولة العباسية أو الاستقلال التام كما في حال الخلافة الأموية في الأندلس. وفي ضوء تلك الأحداث، وتحديدًا في أواخر القرن الثالث، تم تأسيس الدولة العبيدية الفاطمية التي تدعي الانتساب زورًا إلى فاطمة بنت الرسول - عليه الصلاة والسلام - وظهرت كذلك بعض الدول التي كانت على منهج مخالف تمامًا لسياسة الدولة العباسية، كالدولة البويهية والقرامطة الذين استولوا على الحجر الأسود، ونقلوه إلى مقرهم في شرق الجزيرة العربية. وكذلك تفتتت الدولة الإسلامية إلى دويلات متعددة ذات أيديولوجيات وأفكار مختلفة، وانمحت فكرة توحيد تلك الأقاليم نظرًا لضعف الخلافة العباسية التي بالكاد تستطيع حماية نفسها. وفي ضوء تلك الأحداث، وللمرة الأولى في تاريخ الأمة، أعلن ثلاثة حكام استقلالهم بالخلافة؛ إذ أعلن عبدالرحمن الناصر حاكم الأندلس قيام الخلافة الأموية وانتهاء عصر الولاة، وذلك عام 316 هـ، وقد سبقه قبل ذلك التاريخ بعشرين سنة الحاكم الفاطمي عبيد الله المهدي، وأعلن نفسه أنه خليفة المسلمين، إضافة للخليفة العباسي. واستمرت تلك الدول في مرحلة صعود وهبوط حتى سقطت الدولة الفاطمية عام 567هـ. وبالنسبة للخلافة الأموية في الأندلس فقد أخذت طريق الضعفتى سقطت عام 422هـ؛ إذ تجزأت الأندلس بعد ذلك التاريخ إلى 22 دولة. وبالنسبة للخلافة العباسية فقد سقطت على وقع هجمات التتار عام 656هـ؛ وكل هذا كان بسبب تفرُّق المسلمين. فهل هناك من العرب والمسلمين مَن يستفيد من هذا الدرس؟