د. أحمد الفراج
تتواصل الرحلة مع أفضل رؤساء أمريكا، ونتحدث اليوم عن الرئيس، رونالد ريجان، الذي يحظى بشعبية واسعة، وتصنفه الاستطلاعات الشعبية عاليًا، لكنه مثل بيل كلينتون، لا يحظى بذات التقييم المرتفع من المؤرخين، الذين يصنفونه ضمن أفضل الرؤساء، لكن قطعًا ليس ضمن العشرة الأفضل، الذين كتبت عنهم سلفًا، وريجان بذاته لم يكن سياسيًّا من عيار ثقيل، ولكنه أحاط نفسه بكبار الساسة، من شاكلة جورج بوش الأب وجيمس بيكر وجورج شولتز وغيرهم من ساسة العيار الثقيل، كما كان للكاريزما التي يتمتع بها، وقدراته الخطابية، التي اكتسبها من عمله بالتمثيل، دور كبير في شعبيته الجارفة.
ولد ريجان لعائلة فقيرة في ولاية أوهايو، وقد عمل مذيعًا في الإذاعات المحلية، قبل أن يهاجر إلى ولاية كاليفورنيا حيث أضواء هوليوود، ويمتهن التمثيل، الذي لم يبرع فيه، إذ كان ممثلا مغمورًا لحد ما، ثم امتهن السياسة، وتم انتخابه حاكمًا لولاية كاليفورنيا، وهي ولاية ضخمة جدًا، وكانت له إنجازات، اختلف حولها المعلقون، فهو محافظ، بل يعتبر من أبرز زعماء المحافظين، وغني عن القول إنه كان ديمقراطيا، ثم تحول للحزب الجمهوري في عام 1962، ولهذا دلالة كبرى فيما يتعلق بأيدولوجيته، إذ إن الحزب الحزب الديمقراطي كان حينها هو حزب المحافظين، ثم مع بداية ستينات القرن الماضي، أصبح الحزب الجمهوري هو حزب المحافظين، ما يعني أن ريجان كان مع الحزب المحافظ أيا كان اسمه، وهذا يتواءم مع ما تسرّب مؤخرًا عن عنصريته، إذ تم بث مهاتفة قديمة، بينه وبين الرئيس نيكسون، ووصف ريجان الأفارقة بالقرود، وكان ذلك سرّا أزعج كثيرًا من المعجبين به، خصوصًا خارج الولايات المتحدة.
كان ريجان، الذي يعتبر أكبر رئيس يتم انتخابه، في عمر 69 (هذا الرقم كسره دونالد ترمب، الذي انتخب في عمر 70)، له إنجازات داخلية، شملت الإصلاحات في الشأن الاقتصادي، والحرب على المخدرات، وزيادة الإنفاق على التسليح، فقد اشتهر ريجان بموقفه الحادّ من الشيوعية، ولا تكاد تذكر عبارة «حرب النجوم» إلا ويقترن اسمه بها، ولذا فإن العداء مع الاتحاد السوفييتي، ومحاصرته، والذي أدّى إلى سقوطه في نهاية المطاف، يعتبر أحد الثمار التي زرع بذرتها ريجان، ويعتبر ذلك أهم إنجازاته الخارجية، ولا ننسى الضربة العسكرية التي وجهها إلى ليبيا، ودور أمريكا في الحرب العراقية الإيرانية في عهده، كما يحسن أن نذكر أنه فاز في معركة إعادة الانتخاب، في عام 1984، على المرشح الديمقراطي، والتر مونديل، بفارق شاسع، وبنسبة 97.6 % من أصوات المندوبين، وهي ثاني أعلى نسبة فوز في التاريخ الأمريكي، إذ يعتبر فوز الرئيس، فرانكلين روزفلت، بنسبة 98.5 % في انتخابات عام 1936 هي الأعلى، والخلاصة هي أن ريجان يعتبر من أفضل رؤساء أمريكا، حسب الاستطلاعات الشعبية، أما بالنسبة لي شخصيًّا، فكنت، ولا أزال، أراه سياسيا بقدرات عادّية، كما كان في التمثيل السينمائي، ولكنه كان خطيبا مفوّها، وأحاط نفسه بساسة كبار، استطاعوا أن يصنعوا منه نجمًا سياسيًّا بامتياز، وواحدًا من أفضل رؤساء الامبراطورية الأمريكية!