اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
دأب قادة هذه البلاد الطيبة المباركة، منذ المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود طيَّب الله ثراه، حتى قائد سفينتنا اليوم، سيدي الوالد المكرم، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه، دأبوا جميعًا على التأكيد على أن مكة المكرمة والمشاعر المقدسة فيها والمدينة المنورة، هي أهم شيء لديهم في حياتهم، لأنها تمثل جميعًا ذروة سنام رسالتهم ولحمتها وسداها.
فما تأسست هذه البلاد الطيبة المباركة إلا لأداء هذه الرسالة السامية العظيمة، التي ليس مثلها في الدنيا شرف أعظم أو أرفع شأنًا، وهل من شرف أعظم شأنًا من خدمة بيت الله ومثوى رسوله صلى الله عليه وسلم، وإكرام ضيوف الرحمن ورعايتهم وحفظ أمنهم وتسهيل مهمتهم لأداء فريضة حجهم التي تمثل الركن الخامس من الإسلام؟!
والحقيقة، ليس هذا التأكيد على أهمية هذه الرسالة وعظمتها، والتفاني في أدائها مجرد شعارات جوفاء زائفة، أو مزايدات سياسية فارغة، أو ادعاءات مضللة لتحقيق أغراض دنيوية زائلة، بل هو واقع عملي راسخ، شهد به كل مراقب محايد منصف.
ويحضرني في هذا حديث لحادي ركبنا اليوم، ملك الحزم والعزم والحسم سلمان الخير، إذ يقول: (هذه الدولة في خدمة البيتين الحرمين الشريفين، ويشرف ملكها أن يكون خادم الحرمين الشريفين؛ وهذا منذ عهد الملك عبدالعزيز إلى اليوم والحمد لله... ومكة المكرمة تهمنا قبل أي مكان آخر في الدنيا هي والمدينة المنورة)، ملخصًا ما أجمع عليه كل من تشرفوا بأداء هذا الواجب العظيم مثله منذ عهد المؤسس عليهم رحمة الله وبركاته.
وما يزال ثمَّة صدى عبارات مجلجلة، نابعة من أعماق الأعماق للراحل الكبير أخي سلمان، الملك فهد رحمه الله وجعل الجنة مثواه، يتردد في الذاكرة، إذ يقول حكيم العرب وعبقري السياسة: (أعلن اليوم استبدال مسمى صاحب الجلالة بلقب أحبه ويشرفني أن أحمله، وهو خادم الحرمين الشريفين... لقد أنعم الله علينا أن نكون في خدمة الحرمين الشريفين، هذا أفضل شيء.. أفضل شيء في التاريخ، أول بيت وضع للناس بمكة، ومسجد رسول الله وجثمانه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. مين يلقى هذه ويخليها؟ مين يلقاها ولا يبذل آخر مجهود فيها؟).
فكل من يتولى الحكم يكون شغله الشاغل هو توسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتوسعة الطرق التي تؤدي إليها جميعًا، والارتقاء بما فيها من خدمات لوجستية مساعدة من مظلات وفرش ومواقف سيارات ودورات مياه على أرقى المستويات، وبأعداد هائلة توفر خدمة مريحة لمرتاديها من ملايين المسلمين سنويًا، ممن يفدون للحج والعمرة والزيارة. ولأن الأمر كذلك فعلاً وهو مسألة مبدأ ورسالة عظيمة في الحياة، نجد أن قادتنا يتسابقون في الخيرات؛ فكل خلف يضع مزيدًا من اللبنات على مختلف المستويات في العناية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، بما في ذلك أعمال التوسعة الشاملة لصحن الطواف والمسعى والجمرات، حتى أصبح الحج إضافة إلى أداء العبادة، رحلة ممتعة وذكرى عزيزة غالية، لا تصل إليها يد النسيان أبدًا مهما تعاقب الحدثان.
وبجانب هذا كله، اعتادت دولة الرسالة هذه رعاها الله، أن تهب كلها بمختلف إداراتها المعنية بإشراف مباشر من قائد المسيرة، وولي عهده، وأمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، ووزير الداخلية، ورئيس الحرس الوطني للعمل على تهيئة كل الظروف المطلوبة، وتوفير بيئة آمنة لاستيعاب ملايين الحجاج في رقعة محدودة، والسهر على راحتهم، والاطمئنان على توفير كل احتياجاتهم، وتوفير أمنهم لأداء فريضتهم في أمن وأمان واطمئنان.
وقد تُوِّجَت تلك الجهود الصادقة الحثيثة بحج آمن عامًا بعد عام، إذ يعكف المعنيون على دراسة كل صغيرة وكبيرة من الظروف التي يبدأ فيها الحج ومن ثم يعكفون على تدوين الملاحظات الإيجابية ووضع معالجات ملائمة لما يرونه من سلبيات. ويبدأ هذا عادة من وداع آخر رحلة حج تغادر البلاد، حتى وصلنا اليوم بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه، ثم بحرص قادة دولة الدعوة والرسالة الخالدة وجهد الشعب السعودي المؤمن الصادق، إلى أداء مذهل سرَّ الأصدقاء وجعل الأعداء الحاقدين الحاسدين المتربصين يبتلعون ألسنتهم، بعد أن أشاد العالم أجمع بمختلف شعوبه وأعراقه ودياناته بما تقدمه دولة الرسالة من خدمات راقية لضيوف الرحمن.
فالشكر والثناء أولاً وأخيرًا لله العلي القدير الذي أمتن علينا بهذه النعمة العظيمة وهذا الشرف الذي لا يدانيه شرف في الدنيا، ثم التحية والتقدير والعرفان والامتنان لسيدي الوالد المكرم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولأخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. وحبل الشكر موصول أيضًا إلى إخوتي أصحاب السمو الملكي الأمراء: خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، رئيس لجنة الحج المركزية، ونائبه بدر بن سلطان بن عبدالعزيز، وعبدالعزيز بن سعود بن نايف، وزير الداخلية، وعبدالله بن بندر بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني.
وبالطبع لا يفوتني أن أزجي الشكر والتقدير لإخوتي الأعزاء: فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، وفضيلة الشيخ الدكتور عبد اللطيف بن عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، والعلماء الأفاضل الذين أرشدوا الحجاج وأفتوهم؛ والشكر كذلك موصول للدكتور توفيق الربيعة وزير الصحة، والدكتور محمد بن صالح بن طاهر بنتن وزير الحج والعمرة، والدكتور نبيل بن محمد العامودي وزير النقل، على ما تقدمه وزاراتهم المعنية من خدمات عظيمة لضيوف الرحمن. وقطعًا لا يفوتني أن أزجي الشكر والتقدير أيضًا إلى مئات الآلاف من شابات بلادي وشبابها من الجنسين في مختلف القوات النظامية العسكرية والأمنية بكافة فروعها، من وزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني ووزارة الداخلية بكل تشكيلاتها الأمنية والتنظيمية والإدارية؛ وغيرها من إدارات حكومية معنية وكشافة ومتطوعين وغيرهم... والتحية والتقدير والعرفان والامتنان لأولئك الجنود المخلصين الصادقين الصامدين في المطارات والموانئ البحرية والبرية، ولكل مواطن في بلاد الحرمين الشريفين لاسيَّما سكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، ولكل مقيم يدرك معنى رسالتنا وعظمتها ويحاول جاهدًا أن يسهم بدوره، ولو بابتسامة في وجه ضيوف الرحمن، أو يدلهم على طريق أو حتى يدعو لهم بالتوفيق والقبول... وكل عام قيادتنا الرشيدة بخير وصحة وعافية، وشعبنا الوفي النبيل في أمن وأمان وخير واستقرار، وبلادنا في عزٍّ وتمكين... اللهم آمين.