«الجزيرة» - متابعة - محمد المنيف:
لا يمكن لمثقف أو مهتم بالتراث أو فنان في مختلف فروع الفنون من تشكيل موسيقى ولا كل فرد يعشق الإبداعات الإنسانية على اختلاف مشاربها إلا ويحمل في ذاكرته ما قدمها المهرجان الوطني للثقافة والتراث الذي يقام سنوياً في الجنادرية. ولا يتوقف هذا التذكر أو المتابعة والانتظار للموعد على المثقفين والمفكرين والمبدعين في وطننا الغالي بل في كل الوطن العربي كونه أوجد حلقات وصل بين أقطاب الثقافة والفكر والفنون وجمعهم في مكان واحد، فأصبح المهرجان بهذه الجهود فترة احتضانه ومكان ولادته فكرته (الحرس الوطني) الذي راهن الكثير على إمكانية نجاحه، كون الحرس مؤسسة عسكرية إلا أن المهرجان بما هيئ له من دعم وتنظيم وتواصل أكد حضوره المحلي والعربي والعالمي، وعلى مدى 36 عاماً أصبح له في ذاكرة المجتمع السعودي موعدًا يتشوق له كل الأطياف الثقافية والمجتمعية خصوصاً بعد أن أصبح لكل منطقة بيت حمل اسمها.
الفن التشكيلي في مهرجان الوطني..
ثلاثة وثلاثون عاماً من عمر المهرجان الوطني للتراث والثقافة قضاها في حضن وبيئة ثقافة وزارة الحرس الوطني منذ انطلاقته عام 1405 هـ - 1985 م كان للفنون التشكيلية نصيب كما لغيرها من الأنشطة والفعاليات تناوبت عليه مؤسسات عدة من الجمعية السعودية للثقافة والفنون والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الثقافة والإعلام (سابقًا)، وشاركت به وزارة الحرس الوطني وكذا وزارة التعليم بتعاون مثمر حقق للفن التشكيلي حضوره المتميز، والذي كان خط سيره موازيا لبقية المشاركين، ففي عام 1405 أقيم له معرض في (رواق خيام) ضمن ما كانت عليه بقية الأنشطة التراثية والثقافية في ذلك العام، دعي للمعرض نخبة من التشكيليين من مختلف مناطق المملكة أغلبيتهم من رواد بدايات الفن التشكيلي الأوائل، منهم الفانون الرواد الراحلون: محمد السليم وعبد الحليم رضوي وعبد الجبار اليحيا، ليستمر هذا الاهتمام بهذا الفن في قادم السنوات ويعطى نصيبه من التطوير الذي شمل كل الفعاليات والأنشطة والإنشاءات المعمارية التي صاحبت مسيرة المهرجان.
من الخيام إلى صالات خاصة
لا شك أن حضور الفنون التشكيلية وبهذا التواصل على مدى عمر المهرجان يؤكد اهتمام الجانبين من الحرس الوطني ومن التشكيليين أجيالاً تلو أجيال، ولهذا فقد تطورت أساليب العرض أروقة الخيام إلى مرحلة أكثر أمنًا من الريح والغبار في الوقت الذي كانت المعارض تقام الخيام إلى رواق بيت شعبي الذي حتضن أعدادًا كبيرة من اللوحات ما سهل مهمة الجمهور للاطلاع عليها، بعد ذلك تواصل الاهتمام أسوة ببقية المنشآت التي شملت المهرجان وبتخصيص صالات لكل فعالية إلى بناء صالة مستقلة لهذا الفن أعدت إعدادًا متقدمًا وحملت اسم الفنون التشكيلية واشتملت على كل تفاصيل تصميم سبل العرض والإضاءة وبقية مستلزمات عرض الفنون وإقامة الورش الفنية التي تنوعت وتعددت من عام إلى آخر، أقيم في تلك الصالة عديد من المسابقات في كل دورة من الدورات.
الفن التشكيلي في بيوت المناطق
بعد مرور عديد من الدورات وما طرأ من تحول في كيفية تنوع الأنشطة وفتح مجال المنافسة الوطنية التي ترتقي بفكرة المهرجان تم تخصيص أراض في موقع المهرجان لكل منطقة من مناطق المملكة أطلق على كل منشأة فيها مسمى (بيت)، مثال ذلك (البيت الحائلي والبيت العسيري والقصيمي إلى آخر المنظومة)، وجد الفن التشكيلي فيها مساحات تتناسب مع ما يشتمل عليه كل بيت فخرجت لنا لوحات وأسماء جديدة في كل مهرجان يستلهمون موضوعات لوحاتهم من مصادر الإلهام التراثية والبيئية في مناطقهم، حققت الفكرة نجاحًا منقطع النظير في جانب زيارة الضيوف ومرتادي المهرجان بعد أن كانت صالة الفنون التشكيلية منعزلة أو لا تتلقى إلا المهتمين بهذا الفن. ولم يتوقف المبدعون التشكيليون في تلك البيوت والمناطق عند حدود العرض بل واصلت حضورها من خلال الرسم أمام الجمهور ورسم جداريات تتوازى مع الحدث وتعبر عنه تحمل صورًا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- ورموز من النهضة الحديثة للوطن.
أبرز الفعاليات التشكيلية
وقد حظي الفن التشكيلي خلال تلك الدورات بوقفات وفعاليات تعد نوعية نتمنى أن تتكرر، منها تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الفنانة الرائدة صفية بن زقر بوسام الملك عبد العزيز في الدورة الواحد والثلاثين للمهرجان والذي اعتبره التشكيليون وسامًا لكل الفنانين وللحركة التشكيلية السعودية.
كما كانت المسابقة التي أقيمت عام 1999م من الأشهر على مستوى دورات الجنادرية وعلى مستوى ما يقام من مسابقات أخرى في تلك الفترة التي قدمت فيها ثلاث سيارات للفائزين الثلاثة منهم الفنان طه صبان وعبدالله الشيخ، مع ما تضمنته فعاليات الفنون التشكيلية من ندوات ومحاضرات شارك فيها نقاد من المملكة والدول العربية.
ولا ننسى ما كان يقدم من ندوات لا تقل بأي حال عن ندوات الثقافة والأدب تخصصت في مجالات الفنون التشكيلية من نقد وتاريخ وسير، وخلافها ما نفذ من جداريات على مساحات كبيرة شارك فيها رواد الفن وشبابه كانت وقتها مثار إعجاب لفت أنظار الحضور، بدايتها كانت من تنظيم جامعة الملك سعود شارك فيها على سبيل المثال عبد الحليم رضوي وأحمد المغلوث ومحمد سيام وعبد الله الشلتي وعبد الله حماس.
المهرجان في بيئته الجديدة وزارة الثقافة
بعد كل تلك السنوات العطرة الممطرة والمثمرة إبداعات تراثية وثقافية تتوالى نجاحاتها عامًا بعد عام أتى زمنها الجديد مع وزارة هي في الحقيقة المعنية بهذا المهرجان لتكمل المسيرة ولتزيدها إثمارًا وعطاء بما يوافق ويتوافق مع ما تعيشه المملكة من تطور حضاري في عهدها الجديد بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- وبما تعد له وزارة الثقافة من خطط ودراسات بقيادة وزيرها النشط المثقف سمو الأمير بدر بن فرحان آل سعود الذي يعلن في كل وقت ما يسر الثقافة ويرتقي بالفنون من فعاليات عالمية ومشاركة أكاديميات للفنون يجزم الجميع أن المهرجان لوطني للتراث والثقافة سيرى الكثير ما فيه نهضة ورقي للمهرجان.
مسك للفنون ومعهد مسك والتفاعل
لم تغب مسك الخيرية في جانب نشاطاتها الثقافية والفنية عن مهرجان الوطن ولم تتأخر بتقديم كل جديد كما هو نهجها المتطور الذي يعني الشباب ويراعي دور من سبقوهم، فقد كانت مشاركات مسك في الدورات الأخيرة للمهرجان محل تقدير وإعجاب من حيث التنوع وفي التنظيم المعاصر الذي يليق بدورها وحضورها، ولهذا فالأيام القادمة حبلى بمبادرات المؤسسة في مجال الثقافة والفنون من خلال معهد مسك أو بفعاليات (مساحة) الصالة الثرية بالإبداعات المنبرية.