د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الكوارث البيئية ظاهرة كونية منذ القدم، وقد حاول الإنسان وما زال يحاول توقع حدوثها، وتقليل أضرارها، ومع تقدم العلم والتقنية أمكن رسم توقعات بعضها، حتى يستطيع الإنسان النجاة بنفسه من تأثيرها ما أمكنه ذلك، كما وضع البعض مواصفات لمبانيه لتقليل تأثير الكوارث، والحد من الدمار الذي يصاحبها في الغالب.
كارثة احتراق الغابات المطيرة في الأمازون بالبرازيل، ليست جديدة في ذاتها، فالحرائق هناك تحدث كل عام تقريباً، كما هي الحال في كاليفورنيا واليونان، والصين، وروسيا، وإفريقيا، وغيرها من المناطق التي تتواجد بها أشجار وأحراش، لكن ما يجعل حرائق الغابات المطيرة في الأمازون هذا العام استثنائية، هو مقدار ونسبة الحريق، والضرر الناجم عنه، حيث تجاوز الأرقام القياسية السابقة بمراحل عديدة، وهذا ما يجعل الأمر مختلفاً.
لقد صاحب هذه الكارثة البيئية تراشق سياسي، بين بعض رؤساء دول العالم، كما وقع بين الرئيس الفرنسي والرئيس البرازيلي، وكذلك اتهام الرئيس البرازيلي لبعض المنظمات بفعل ذلك الحريق، وأنه ربما يكون جريمة، وليس حدثاً طبيعياً، وخرجت مظاهرات في البرازيل تلوم الحكومة على تقصيرها، آخذين بعين الاعتبار أن الرئيس البرازيلي يعتبر عند البعض من المهتمين بالحفاظ على البيئة، ولكن الجدل السياسي حول هذا الأمر ليس موضوع هذا المقال.
الغابات المطيرة في البرازيل تنتج 20 % من أكسجين كوكب الأرض، وهي أيضاً تمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، لهذا فإن هذه الغابات التي تعتبر رئة العالم، تشكل جزءًا كبيراً من مادة الحياة للمخلوقات على هذا الكوكب.
عند احتراق نسبة مؤثرة من هذه الغابات فلا يعني فقط نقصاً في الأكسجين المتاح في الكوكب، وإنما أيضاً انبعاث كمية من ثاني أكسيد الكربون، بدلاً من امتصاصها، مما يسبب فارقاً أكبر بين الأكسجين وثاني أكسيد الكربون المتاح، إضافة إلى فقدان كوكبنا أعداداً هائلة من الحيوانات والحشرات والطيور، ومغادرة بعضها إلى مناطق أخرى قد لا تتوفر فيها كمية كافية للسكان القدامى، والوافدين الجدد، والأسوأ أن بعض الأصناف النادرة قد تندثر، مما يشكل خطراً على التوازن البيئي.
حدوث خلل في التوزان الغازي، قد يسبب ظواهر بيئية، متعلقة بنسبة تبخر البحار، وكمية الأمطار، وسرعة الرياح وغيرها، من المؤكد أن الأمر لم يصل إلى الحد الخطير جداً، لكنه بداية لخطر قد يكون مؤلماً إذا لم تتدارك الجهات المسؤولة، بغض النظر عن الجدل السياسي، الذي يتحدث عن أنها كارثة عالمية يستوجب تدخل العالم، أو أنها من اختصاص دولة البرازيل التي تجاوبت مع الحدث، وأرسلت وحدات من الجيش للمساعدة في إخماد الحريق، ولكن الثقة في الله سبحانه وتعالى أن يرسل الغيث الغزير لإخماد تلك الحرائق الخطيرة.
كان الإنسان يقتطع جزءًا من تلك الغابات بشكل معتاد ليستخدم سيقان الأشجار في صناعة الخشب، وربما بشكل جائر في بعض المناطق، أو بشكل مخطط له، عن طريق الدورة العمرية، وفي الفترة الأخيرة، وبعد انفتاح الصين على العالم، وارتفاع مستوى دخل الفرد، أخذت الصين في زيادة استيرادها بكميات كبيرة جداً من زيت فول الصويا، لا سيما أن زيت فول الصويا يعتبر مكوناً أساسياً في الطبق الصيني التقليدي، ونظراً لأن البرازيل هي ثاني دول العالم إنتاجاً لهذا المحصول بعد الولايات المتحدة، أخذ الكثير من أبناء البرازيل يقطعون الأشجار للاستفادة من الأرض في زراعة فول الصويا الذي يدر عليهم الكثير من المال، نظراً لارتفاع الطلب الصيني، والقوة الشرائية لدى الدولة والشعب.
إن التوازن بين البيئة والإنسان كان وما زال موضوعاً هاماً لدى العلماء، والساسة والمهتمين بالبيئة، ولا ننسى أن موضوع البيئة أصبح عنواناً سياسياً للكثير من الأحزاب في العالم أجمع، التي يؤمن بعضها بأهمية الموضوع، والبعض الآخر يستخدمه لمنافع حزبية.
والحقيقة أننا نعيش في كوكب واحد علينا أن نتعاون للحفاظ عليه، والسعي للانتفاع منه لا سيما أن وسائل العلوم والتقنية متاحة لنا لمعرفة وقياس مقدار الضرر الناجم من كل موثر بيئي.