محمد آل الشيخ
تجربة عهد الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان غيّرت كثيراً من الأوهام والتخرصات والمخاوف التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي اكتنفت عقول الكثيرين، كما أثبتت بكل وضوح وجدارة إثباتاً قطعياً أيضا أن الزعماء العظماء الذين عرفهم التاريخ، كانوا دائماً (يقفون) من شعوبهم في المقدمة، ويفتحون لهم الآفاق، ولا يقفون خلف شعوبهم في انتظار أن يتطوروا، وتتغير عقلياتهم، ليكونوا قادرين على استيعاب الحداثة والتنمية والتطور. وليس لدي أدنى شك في أن تجربة المملكة هذه سيقلدها كثيرون من العرب، لا سيما وأن هناك صيحات بدأت تُسمع هنا وهناك، يطالبون أن يقتفوا أثرها، وأن ينتهجوا منهجها الصارم والحازم لفرض الحداثة فرضا من جهة، ومن جهة أخرى اجتثاث جذور الفساد؛ فأنا مؤمن إيمانا راسخا أن التجارب الديمقراطية في بلاد العرب، وهي تعاني من الطائفية أو العرقية ستنتهي بهذه الدولة أو تلك إلى وضع سياسي يكتنفه ضياع العدالة والفساد، وستتمكن القوى الخارجية من اتخاذها (ثقباً) للتسلل إلى داخل الأوطان والسيطرة من خلال عملائها الأُجراء على الدولة وقراراتها، كما هو الوضع في لبنان والعراق.
والعرب دول لم يستوعبوا بعد متطلبات وركائز (الدولة الوطنية)، فما زالت الأغلبية الكاسحة منهم يطلبون أن تستورد دولهم (دولة الخلافة) كنموذج للدولة العادلة من التاريخ، رغم أن تاريخنا العربي الماضي كان عبارة من دول متخلفة ظالمة وبعيدة كل البعد عن روح وعدالة الإسلام، اللهم إلا دولتي أبي بكر وعمر وبعد هاتين الدولتين دولة عثمان ودولة علي - رضي الله عن الجميع - أما خلاف هؤلاء الذين لم تصل فترات خلافتهم إلا إلى قرابة ثلث قرن فلا علاقة لهم بالعدالة ولا بالمساواة بين الرعية، لكن كثيراً العرب لا يقرؤون، وهم من أكثر الأمم التي لا تتعلم من تاريخها، إضافة إلى جهلهم شبه (المطلق) بكنه وتاريخ وممارسات دول الخلافة، فهم يستقون معلوماتهم عنها من مقررات المناهج المدرسية الانتقائية، وربما خطبة جمعة، أو في محاضن الندوات والمحاضرات التي كانت تسيطر عليها الحركات السياسية المتأسلمة، التي بلينا بها، وسيطرت على العقول في الأربعة عقود الماضية، وأيضا على كل مفاصل الحكومة.
الدولة الوطنية، والمدنية في توجهاتها، هي الخيار الوحيد لنا، أما ما يسميها (المتأسلمون) دولة الخلافة فلا يمكن (البتة) أن تكون نواة للدولة الوطنية بأي شكل من الأشكال، إلا إذا اعتبرنا (داعش) مثالاً يحتذى في العصر الحديث.
إلى اللقاء