الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
كشف رئيس الجمعية السعودية لعلوم العمران الدكتور المهندس/ غازي بن سعيد العباسي أن جزءًا كبيرًا من مشكلة صيانة المساجد يعود لرداءة التصميم وعدم فعاليته، وكذلك الافتقار إلى الصيانة الدورية.
وأكد الدكتور غازي العباسي في حواره مع «الجزيرة» على الحاجة إلى دراسات وورش عمل لإيقاف العشوائية في استمرار بناء مساجد غير جيدة، وأنه من الأهمية بمكان وضع أوقاف خاصة، مشيرًا إلى الإشكالات الكثيرة في الجوانب المعمارية والهندسية مما كان له الأثر في ديمومة البناء في المساجد، والهدر المالي على الصيانة.
كما تناول الحوار مع د. العباسي عددًا من القضايا المتعلقة بشؤون المساجد في جوانبها المعمارية والهندسية، والحلول الكفيلة لمعالجة الإشكالات.. وفيما يلي نص الحوار:
* بصفتكم رئيسًا للجمعية السعودية لعلوم العمران..كيف ترى واقع المساجد في بلادنا من حيث البناء المعماري؟
- الحقيقة أن عمارة المساجد عندنا ليست على المستوى المطلوب رغم أن هناك بعض النماذج من المساجد تعد نموذجية من حيث الشكل والتصميم الهندسي إلا أن الأغلب منها يفتقر لأبسط المفاهيم الهندسية، والخلل في الحقيقة يكمن في عدة أمور منها: الشكل والحلول المعمارية على المستويين العمراني والمعماري، فمن الناحية العمرانية نجد أن ارتباط المسجد بمحيطه يفتقر إلى الترابط العمراني فأغلب المساجد تعيش بمعزل عن محيطها وخاصة توجيه المداخل وترابطها بمحيطها، وكذلك عندما يكون هناك بيت لكل من الإمام والمؤذن حيث تجد أنه يلتصق بالمسجد بيتان معزولان عن محيطهما السكني مما يسبب ارتباكًا في المشهد البصري وقد يفقد المسجد نضارته بسبب التصاق السكن في أحد جوانبه بشكل غريب وغير منسجم، كما أن أغلب المساجد بنمطية معينة تفتقر إلى جمال الشكل من الخارج ومن الداخل وتوزيع الفراغات وانسيابية الحركة والافتقار لأبسط جوانب الكود وخاصة تصميم المخارج وافتعال الأعتاب ومعالجة ذلك بمنحدرات لذوي الاحتياجات الخاصة قد تكون أسوأ منه لو تركت كما هي؛ كما أن الأبواب في الأغلب تفتح للداخل وهذا يعد مخالفًا للكود الذي يحدد أن يكون الأبواب الخارجية للمباني العامة والمسجد منها تفتح للخارج ويظهر ذلك جليًا في التزاحم الذي نراه بعد صلاة الجمعة، كما أن تصميم الميضاءات وارتباطها بالمسجد أجده غير ملائم في أغلب الأحيان.
* وماذا عن الجوانب الهندسية الأخرى؟
- نجد أن تصميم الإضاءة يفتقر لأساسيات الإضاءة وأغلبها ارتجالي إما مبهر ويثير الزغللة في العين أو يوجد عدم توزيع جيد للإضاءة، لذلك تجد أن بعض الأئمة يترك بعض الأنوار مطفأة، أما هندسة الصوت فأزعم أنها لم تدرس أساسًا وهذا علم بحد ذاته مهمل تمامًا في المساجد على المستويين الخارجي والداخلي فتحديد شدة الصوت والمؤثرات ارتجالي وعالٍ وغالبًا يكون هناك نسبة صدى بسبب عدم جودة التصميم لدرجة أن الكثيرين يعتقدون أن ذلك من مميزات الصوت ولم أجد مسجدًا في المملكة العربية السعودية مدروسًا فيه الصوت بفعالية عالية سوى المسجدين؛ المسجد الحرام والمسجد النبوي أما خلافهما فكأنهم يعتقدون أن المسألة فقط جهاز مكبر للصوت وتوزيع سماعات في حين أن موضوع تصميم الصوت وتحديد شدته حسب الكود سواء كان داخليًا أو خارجيًا يخضع لدراسة عميقة وتصميم يسهم في تحديد مكان وزاوية اتجاه الصوت مما يفقد كثيرًا من الإنصات للإمام وخاصة في الصلوات الجهرية، وفيما يتعلق بالتكييف الذي قد يكون أكثر مؤثر في تكلفة تشغيل المسجد أشعر أن الأغلبية من المساجد تفتقر للاستخدام الأنسب لنظام التكييف واللجوء لبعض الأنظمة التي لا تسهم في التوزيع الجيد للتكييف مع حدوث بعض الضوضاء نتيجة لصوت الهواء، وكذلك عدم التوزيع الجيد للهواء وأزعم أن فاتورة الكهرباء أكثر من المطلوب بسبب هذه الاختيارات الخاطئة.
* من أهداف الجمعية إيجاد هوية مميزة للبيئة العمرانية السعودية، وتقديم المشورة.. ترى ماذا قدمتم للمساجد والأوقاف على وجه الخصوص؟ وكيف يمكن النهوض بها والمحافظة على عمارتها؟
- هناك محاولات جادة وجمعيات علمية وخيرية للحفاظ على المساجد منها: الجمعية السعودية لعلوم العمران التي أرأس مجلس إدارتها، وجمعية هندسية وأنا عضو مجلس إدارة بها، وكذلك مسابقة الفوزان للمساجد وغيرها من الجمعيات الخيرية المهتمة بالمساجد، وتم عمل كود لتصميم المساجد، وللصيانة، وكود لمساجد الطرق وجمعية خيرية لذلك، وهناك أوقاف للمساجد؛ أعتقد أن هناك محاولات وجهات عديدة تحرص على العمل للمساجد في كافة الجوانب لكن ما زلت أرى عشوائية في التبرع في بناء المساجد وطابع الفردية للمتبرعين فما زالت تخرج لنا بعض المساجد الهزيلة بسبب أن كل متبرع يرغب أن يبني مسجدًا باسم معين إما وفاء لوالدهم أو من قدم التبرع، وقد لا تكون الميزانية تكفي، وما زالت تخرج لنا هذه المساجد وبها المشكلات المذكورة سابقًا، وآمل أن يكون هناك قانون عند التبرع تشرف عليه الوزارة ويختار التصميم بعناية وبتفاصيل هندسية مدروسة، وكذلك تحدد التكاليف الحقيقية لكل مسجد حسب موقعه وإذا لم يستطع المتبرع تغطية التكاليف فلا مانع أن يشترك اثنان أو ثلاثة في بناء مسجد واحد ونتجاوز تسمية المساجد بأسماء متبرعيها ونخرج من دائرة الرياء فالله سبحانه وتعالى يعلم من تبرع وبمقدار كم، وكيف كانت نيته أو من تبرع عنه. كل هذه الأمور التمويلية أعتقد أنها تحتاج إلى دراسة وورش عمل لإيقاف العشوائية في استمرار بناء مساجد غير جيدة فالحل الهندسي وحده لا يكفي، وسبق أن طرحت هذا الاقتراح وأرى أهمية نقاشه بأن يكون هناك صندوق أو أوقاف عامة مثل أوقاف مساجد تتبنى الإشراف على بناء كافة المساجد في المملكة المقدمة من متبرعين ويكون ذلك بالتعاون مع وزارة البلديات ووزارة الشؤون الإسلامية بحيث تعطي الأولى كافة المواقع المحددة في المخططات لبناء مساجد، وتشرف الثانية بالتعاون مع الأولى على تحديد حجم المسجد ودائرة الخدمة والميزانية المتوقعة لبناء المسجد بما في ذلك تكاليف الدراسات والتصميم التي غالبًا لا تتعدى 5 في المائة من قيمة البناء، وتكون الأوقاف الخاصة بالمساجد هي الذراع التنفيذي لهذه المساجد ولا تترك الشغلة لحماس وأهواء المتبرعين حتى لا يخرج بناء المسجد عن هدفه الحقيقي وندخل بين طرفي نقيض بين تفريط وإفراط بمعنى آخر إما مسجد يبنى بتكاليف ومميزات عالية جدًا بسبب أن المتبرع مقتدر وهذه قلة أو الأغلبية العظمى هزيلة غير مكتملة بسبب حرص المتبرع أن يكون هذا المسجد باسمه،وكما ذكرت سابقًا التبرع لبناء مسجد لا يعني امتلاكه، ولكن هو ملك عام وينتهي دور المتبرع بمجرد البناء حتى وإن تكفل المتبرع بالتشغيل والصيانة فلا يمنع أن تشرف عليه الوزارة أو الأوقاف للتأكد من التزامه بالحد الأدنى من المعايير، وأزعم أن ذلك سيحقق توفيرًا كبيرًا من إيقاف للهدر الناتج من الفوضى والانعزالية الناتجة من بناء كل مسجد منفرد بجهود المتبرع وتحت تصرفه وإمكاناته فهذه بيوت الله وواجب علينا عمارتها بما يليق بها أن تكون.
* مشكلة صيانة المساجد من المشكلات التي ما زالت قائمة، ترى أين مكن الخلل؟ وهل يعود للتأسيس المعماري، أم رداءة الصيانة ذاتها؟
- مشكلة الصيانة اعتقد أن جزءًا كبيرًا منها يعود لرداءة التصميم وعدم فعاليته، وكذلك افتقارنا للصيانة الدورية والتي تسمى الصيانة الوقائية.
* رسالة علمية في الهندسة المعمارية كشفت أن مشكلات التكيف البيئي في المساجد المعاصرة وجدوا حلولها في المساجد التقليدية بإقليم نجد. ترى لماذا لا تسخر الأبحاث والدراسات العلمية لمعالجة المشكلات الفنية المعاصرة لبيوت الله؟
- فيما يخص العمارة التقليدية هناك دراسات كثيرة تدور حول الاستفادة من التراث العمراني واستخدام مواد وأساليب البناء التقليدية لما لها من دور كبير في عمليات الحفاظ على الطاقة بل إن هذا الموضوع قدمت فيه رسائل ماجستير ودكتوراه، ولكننا نفتقر إلى انفصال بين الممارسة ونتائج البحث العلمي، وكما ذكرت سابقًا لدينا قصور كبير في الممارسة الهندسية في المملكة على مستويي التصميم والتنفيذ لذلك نجد هذه النتائج وأساليب البناء المكلفة للطاقة.